الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا لما نهضت الأدلة الصريحة بمظاهر الموجودات المتنوعة على انفراده بالإلهية من قوله ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) وقوله ( وهو الذي مد الأرض ) وقوله ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى ) وقوله ( هو الذي يريكم البرق ) الآيات ، وبما فيها من دلالة رمزية دقيقة من قوله ( له دعوة الحق ) وقوله ( ولله يسجد من في السماوات ) إلى آخرها لا جرم تهيأ المقام لتقرير المشركين تقريرا لا يجدون معه عن الإقرار مندوحة ، ثم لتقريعهم على الإشراك تقريعا لا يسعهم إلا تجرع مرارته ، لذلك استؤنف الكلام وافتتح بالأمر بالقول تنويها بوضوح الحجة .

[ ص: 113 ] ولكون الاستفهام غير حقيقي جاء جوابه من قبل المستفهم . وهذا كثير في القرآن وهو من بديع أساليبه ، كقوله عم يتساءلون عن النبأ العظيم وتقدم عند قوله تعالى قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة في سورة الأنعام .

وإعادة فعل الأمر بالقول في قل أفاتخذتم من دونه أولياء الذي هو تفريع على الإقرار بأن الله رب السماوات والأرض لقصد الاهتمام بذلك التفريع لما فيه من الحجة الواضحة .

فالاستفهام تقرير وتوبيخ وتسفيه لرأيهم بناء على الإقرار المسلم . وفيه استدلال آخر على عدم أهلية أصنامهم للإلهية فإن اتخاذهم أولياء من دونه معلوم لا يحتاج إلى الاستفهام عنه .

وجملة ( لا يملكون ) صفة لـ ( أولياء ) ، والمقصود منها تنبيه السامعين للنظر في تلك الصفة فإنهم إن تدبروا علموها وعلموا أن من كانت تلك صفته فليس بأهل لأن يعبد .

ومعنى الملك هنا القدرة كما في قوله تعالى قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا في سورة العقود . وفي الحديث : أوأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة .

وعطف الضر على النفع استقصاء في عجزهم ; لأن شأن الضر أنه أقرب للاستطاعة وأسهل .

التالي السابق


الخدمات العلمية