الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ جهد ]

                                                          جهد : الجهد والجهد : الطاقة ، تقول : اجهد جهدك ; وقيل : الجهد المشقة ، والجهد الطاقة . الليث : الجهد ما جهد الإنسان من مرض أو أمر شاق ، فهو مجهود ; قال : والجهد لغة بهذا المعنى . وفي [ ص: 224 ] حديث أم معبد : شاة خلفها الجهد عن الغنم ; قال ابن الأثير : قد تكرر لفظ الجهد والجهد في الحديث ، وهو - بالفتح - المشقة ، وقيل : المبالغة ، والغاية و - بالضم - الوسع والطاقة ، وقيل : هما لغتان في الوسع والطاقة ، فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير ، ويريد به في حديث أم معبد في الشاة الهزال ; ومن المضموم حديث الصدقة : أي الصدقة أفضل ، قال : جهد المقل ؛ أي : قدر ما يحتمله حال القليل المال . وجهد الرجل إذا هزل ; قال سيبويه : وقالوا طلبته جهدك ، أضافوا المصدر وإن كان في موضع الحال ، كما أدخلوا فيه الألف واللام حين قالوا : أرسلها العراك ; قال : وليس كل مصدر مضافا كما أنه ليس كل مصدر تدخله الألف واللام . وجهد يجهد جهدا واجتهد ، كلاهما : جد . وجهد دابته جهدا وأجهدها : بلغ جهدها وحمل عليها في السير فوق طاقتها . الجوهري : جهدته وأجهدته بمعنى ; قال الأعشى :


                                                          فجالت وجال لها أربع جهرنا لها مع إجهادها

                                                          وجهد جاهد : يريدون المبالغة ، كما قالوا : شعر شاعر ، وليل لائل ; قال سيبويه : وتقول جهدواي أنك ذاهب ; تجعل جهد ظرفا ، وترفع " أن " به على ما ذهبوا إليه في قولهم حقا أنك ذاهب . وجهد الرجل : بلغ جهده ، وقيل : غم . وفي خبر قيس بن ذريح : أنه لما طلق لبنى اشتد عليه وجهد وضمن . وجهد بالرجل : امتحنه عن الخير وغيره . الأزهري : الجهد بلوغك غاية الأمر الذي لا تألو على الجهد فيه ; تقول : جهدت جهدي واجتهدت رأيي ونفسي حتى بلغت مجهودي . قال : وجهدت فلانا إذا بلغت مشقته وأجهدته على أن يفعل كذا وكذا . ابن السكيت : الجهد الغاية . قال الفراء : بلغت به الجهد ؛ أي : الغاية . وجهد الرجل في كذا ؛ أي : جد فيه وبالغ . وفي حديث الغسل : إذا جلس بين شعبها الأربع ، ثم جهدها ؛ أي : دفعها وحفزها ، وقيل : الجهد من أسماء النكاح . وجهده المرض والتعب والحب يجهده جهدا : هزله . وأجهد الشيب : كثر وأسرع ; قال عدي بن زيد :


                                                          لا تؤاتيك إن صحوت وإن أج     هد في العارضين منك القتير

                                                          وأجهد فيه الشيب إجهادا إذا بدا فيه وكثر . والجهد : الشيء القليل يعيش به المقل على جهد العيش . وفي التنزيل العزيز : والذين لا يجدون إلا جهدهم على هذا المعنى . وقال الفراء : الجهد في هذه الآية الطاقة ، تقول : هذا جهدي ؛ أي : طاقتي ; وقرئ : ( والذين لا يجدون إلا جهدهم ) ، و : ( جهدهم ) - بالضم والفتح - الجهد - بالضم - : الطاقة ، والجهد - بالفتح - : من قولك اجهد جهدك في هذا الأمر ؛ أي : ابلغ غايتك ، ولا يقال اجهد جهدك . والجهاد : الأرض المستوية ، وقيل : الغليظة ، وتوصف به ، فيقال أرض جهاد . ابن شميل : الجهاد : أظهر الأرض وأسواها ؛ أي : أشدها استواء ، نبتت أو لم تنبت ، وليس قربه جبل ولا أكمة . والصحراء جهاد ; وأنشد :


                                                          يعود ثرى الأرض الجهاد وينبت ال     جهاد بها والعود ريان أخضر

                                                          أبو عمرو : الجماد والجهاد الأرض الجدبة التي لا شيء فيها ، والجماعة جهد وجمد ; قال الكميت :


                                                          أمرعت في نداه إذ قحط القط     ر فأمسى جهادها ممطورا

                                                          قال الفراء : أرض جهاد وفضاء وبراز بمعنى واحد . وفي الحديث : أنه - عليه الصلاة والسلام - نزل بأرض جهاد ، الجهاد - بالفتح - الأرض الصلبة ، وقيل : هي التي لا نبات بها ; وقول الطرماح :


                                                          ذاك أم حقباء بيدانة     غربة العين جهاد السنام

                                                          جعل الجهاد صفة للأتان في اللفظ وإنما هي في الحقيقة للأرض ، ألا ترى أنه لو قال : غربة العين جهاد : لم يجز ; لأن الأتان لا تكون أرضا صلبة ، ولا أرضا غليظة ؟ وأجهدت لك الأرض : برزت . وفلان مجهد لك : محتاط . وقد أجهد إذا احتاط ; قال :


                                                          نازعتها بالهينمان وغرها     قيلي ومن لك بالنصيح المجهد ؟

                                                          ويقال : أجهد لك الطريق ، وأجهد لك الحق ؛ أي : برز وظهر ووضح . وقال أبو عمرو بن العلاء : حلف بالله فأجهد وسار فأجهد ، ولا يكون فجهد . وقال أبو سعيد : أجهد لك الأمر ؛ أي : أمكنك وأعرض لك . أبو عمرو : أجهد القوم لي ؛ أي : أشرفوا ; قال الشاعر :


                                                          لما رأيت القوم قد أجهدوا     ثرت إليهم بالحسام الصقيل

                                                          الأزهري عن الشعبي قال : الجهد في الغنية ، والجهد في العمل . ابن عرفة : الجهد - بضم الجيم - الوسع والطاقة ، والجهد المبالغة والغاية ومنه ، قوله - عز وجل - : جهد أيمانهم ؛ أي : بالغوا في اليمين ، واجتهدوا فيها . وفي الحديث : أعوذ بالله من جهد البلاء ; قيل : إنها الحالة الشاقة التي تأتي على الرجل يختار عليها الموت . ويقال : جهد البلاء كثرة العيال وقلة الشيء . وفي حديث عثمان : والناس في جيش العسرة مجهدون ؛ أي : معسرون . يقال : جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة ، وجهد الناس فهم مجهودون إذا أجدبوا ; فأما أجهد فهو مجهد - بالكسر - فمعناه ذو جهد ومشقة ، أو هو من أجهد دابته إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها . ورجل مجهد إذا كان ذا دابة ضعيفة من التعب ، فاستعاره للحال في قلة المال . وأجهد فهو مجهد - بالفتح ؛ أي : أنه أوقع في الجهد المشقة . وفي حديث الأقرع والأبرص : فوالله لا أجهد اليوم بشيء أخذته لله ، لا أشق عليك وأردك في شيء تأخذه من مالي لله - عز وجل . والمجهود : المشتهى من الطعام واللبن ; قال الشماخ يصف إبلا بالغزارة :


                                                          تضحى وقد ضمنت ضراتها غرفا     من ناصع اللون حلو الطعم مجهود

                                                          فمن رواه : حلو الطعم مجهود ، أراد بالمجهود : المشتهى الذي يلح عليه [ ص: 225 ] في شربه لطيبه وحلاوته ، ومن رواه : حلو غير مجهود فمعناه : أنها غزار لا يجهدها الحلب فينهك لبنها ; وفي المحكم : معناه : غير قليل يجهد حلبه أو تجهد الناقة عند حلبه ، وقال الأصمعي في قوله غير مجهود : أي : أنه لا يمذق ; لأنه كثير . قال الأصمعي : كل لبن شد مذقه بالماء فهو مجهود . وجهدت اللبن فهو مجهود ؛ أي : أخرجت زبده كله . وجهدت الطعام : اشتهيته . والجاهد : الشهوان . وجهد الطعام وأجهد ؛ أي : اشتهي . وجهدت الطعام : أكثرت من أكله . ومرعى جهيد : جهده المال . وجهد الرجل فهو مجهود من المشقة . يقال : أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا . وجهد عيشهم - بالكسر ؛ أي : نكد واشتد . والاجتهاد والتجاهد : بذل الوسع والمجهود . وفي حديث معاذ : اجتهد رأي الاجتهاد ، بذل الوسع ، في طلب الأمر وهو افتعال من الجهد الطاقة ، والمراد به رد القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسنة ، ولم يرد الرأي الذي رآه من قبل نفسه من غير حمل على كتاب أو سنة . أبو عمرو : هذه بقلة لا يجهدها المال ؛ أي : لا يكثر منها ، وهذا كلأ يجهده المال إذا كان يلح على رعيته . وأجهدوا علينا العداوة : جدوا . وجاهد العدو مجاهدة وجهادا : قاتله ، وجاهد في سبيل الله ; وفي الحديث : لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ; الجهاد محاربة الأعداء ، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل ، والمراد بالنية إخلاص العمل لله ؛ أي : أنه لم يبق بعد فتح مكة هجرة ; لأنها قد صارت دار إسلام ، وإنما هو الإخلاص في الجهاد وقتال الكفار . والجهاد : المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أو اللسان أو ما أطاق من شيء . وفي حديث الحسن : لا يجهد الرجل ماله ثم يقعد يسأل الناس ; قال النضر : قوله لا يجهد ماله ؛ أي : يعطيه ، ويفرقه جميعه هاهنا وهاهنا قال الحسن : ذلك في قوله - عز وجل - : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو . ابن الأعرابي : الجهاض والجهاد ثمر الأراك . وبنو جهادة : حي ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية