الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل اشتهر الإيتاء والإعطاء وما يراد بهما في إنشاء الحلف ليطمئن بصدق الحالف غيره وهو المحلوف له .

وفي حديث الحشر فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره . كما أطلق فعل الأخذ على تلقي المحلوف له للحلف ، قال تعالى وأخذن منكم ميثاقا غليظا و قد أخذ عليكم موثقا من الله .

[ ص: 19 ] ولعل سبب إطلاق فعل الإعطاء أن الحالف كان في العصور القديمة يعطي المحلوف له شيئا تذكرة لليمين مثل سوطه أو خاتمه ، أو أنهم كانوا يضعون عند صاحب الحق ضمانا يكون رهينة عنده . وكانت الحمالة طريقة للتوثيق فشبه اليمين بالحمالة . وأثبت له الإعطاء والأخذ على طريقة المكنية ، وقد اشتهر ضد ذلك في إبطال التوثيق يقال : رد عليه حلفه .

والموثق : أصله مصدر ميمي للتوثيق ، أطلق هنا على المفعول وهو ما به التوثق ، يعني اليمين .

و من الله صفة لـ ( موثقا ) ، و ( من ) للابتداء ، أي موثقا صادرا من الله تعالى . ومعنى ذلك أن يجعلوا الله شاهدا عليهم فيما وعدوا به بأن يحلفوا بالله فتصير شهادة الله عليهم كتوثق صادر من الله تعالى بهذا الاعتبار . وذلك أن يقولوا : لك ميثاق الله أو عهد الله أو نحو ذلك ، وبهذا يضاف الميثاق والعهد إلى اسم الجلالة كأن الحالف استودع الله ما به التوثق للمحلوف له .

وجملة لتأتنني به جواب لقسم محذوف دل عليه ( موثقا ) ، وهو حكاية لقول يقوله أبناؤه المطلوب منهم إيقاعه حكاية بالمعنى على طريقة حكاية الأقوال لأنهم لو نطقوا بالقسم لقالوا : لنأتينك به ، فلما حكاه هو ركب الحكاية بالجملة التي هي كلامهم وبالضمائر المناسبة لكلامه بخطابه إياهم .

ومن هذا النوع قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ، وإن ما أمره الله : قل لهم أن يعبدوا ربك وربهم .

ومعنى يحاط بكم يحيط بكم محيط . والإحاطة : الأخذ بأسر أو هلاك مما هو خارج عن قدرتهم ، وأصله إحاطة الجيش في الحرب ، فاستعمل مجازا في الحالة التي لا يستطاع التغلب عليها ، وقد تقدم عند قوله تعالى وظنوا أنهم أحيط بهم .

[ ص: 20 ] والاستثناء في إلا أن يحاط بكم استثناء من عموم أحوال ، فالمصدر المنسبك من أن مع الفعل في موضع الحال ، وهو كالإخبار بالمصدر ، فتأويله : إلا محاطا بكم .

وقوله والله على ما نقول وكيل تذكير لهم بأن الله رقيب على ما وقع بينهم . وهذا توكيد للحلف .

والوكيل : فعيل بمعنى مفعول ، أي موكول إليه ، وتقدم في وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل في سورة آل عمران .

التالي السابق


الخدمات العلمية