الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين

النسوة : اسم جمع امرأة لا مفرد له ، وهو اسم جمع قلة مثله نساء . وتقدم في قوله - تعالى : ونساءنا ونساءكم في سورة آل عمران .

وقوله : في المدينة صفة لنسوة . والمقصود من ذكر هذه الصفة أنهن كن متفرقات في ديار من المدينة . وهذه المدينة هي قاعدة مصر السفلى [ ص: 260 ] وهي مدينة ( منفيس ) حيث كان قصر العزيز ، فنقل الخبر في بيوت المتصلين ببيت العزيز . وقيل : إن امرأة العزيز باحت بالسر لبعض خلائلها فأفشينه كأنها أرادت التشاور معهن ، أو أرادت الارتياح بالحديث إليهن " ومن أحب شيئا أكثر من ذكره " . وهذا الذي يقتضيه قوله : وأعتدت لهن متكأ وقوله : ولئن لم يفعل

والفتى : الذي في سن الشباب ، ويكنى به عن المملوك وعن الخادم كما يكنى بالغلام والجارية وهو المراد هنا . وإضافته إلى ضمير امرأة العزيز لأنه غلام زوجها فهو غلام لها بالتبع ما دامت زوجة لمالكه .

وشغف : فعل مشتق من اسم جامد ، وهو الشغاف بكسر الشين المعجمة وهو غلاف القلب . وهذا الفعل مثل كبده ورآه وجبهه ، إذا أصاب كبده ورئته وجبهته .

والضمير المستتر في شغفها لـ فتاها . ولما فيه من الإجمال جيء بالتمييز للنسبة بقوله : حبا . وأصله شغفها حبه ، أي أصاب حبه شغافها ، أي اخترق الشغاف فبلغ القلب ، كناية عن التمكن .

وتذكير الفعل في وقال نسوة لأن الفعل المسند إلى ألفاظ الجموع غير الجمع المذكر السالم يجوز تجريده من التاء باعتبار الجمع ، وقرنه بالتاء باعتبار الجماعة مثل وجاءت سيارة

وأما الهاء التي في آخر نسوة فليست علامة تأنيث بل هي هاء فعلة جمع تكسير ، مثل صبية وغلمة .

وقد تقدم وجه تسمية الذي اشترى يوسف - عليه السلام - باسم العزيز عند قوله - تعالى : وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته . وتقدم ذكر اسمه واسمها في العربية وفي العبرانية .

[ ص: 261 ] ومجيء تراود بصيغة المضارع مع كون المراودة مضت لقصد استحضار الحالة العجيبة لقصد الإنكار عليها في أنفسهن ولومها على صنيعها . ونظيره في استحضار الحالة قوله - تعالى : يجادلنا في قوم لوط

وجملة قد شغفها حبا في موضع التعليل لجملة تراود فتاها

وجملة إنا لنراها في ضلال مبين استئناف ابتدائي لإظهار اللوم والإنكار عليها . والتأكيد بـ " إن " واللام لتحقيق اعتقادهن ذلك ، وإبعادا لتهمتهن بأنهن يحسدنها على ذلك الفتى .

والضلال هنا : مخالفة طريق الصواب ، أي هي مفتونة العقل بحب هذا الفتى ، وليس المراد الضلال الديني . وهذا كقوله - تعالى - آنفا إن أبانا لفي ضلال مبين

التالي السابق


الخدمات العلمية