الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المانع الثانــي

                                                                                                                العداوة في الكتاب : تجوز شهادة المسلم على الكافر ، وفي الجواهر : لا يقبل العدو على عدوه ، ويقبل له ، والعداوة المانعة التي ليست من أسباب الدين ، فالمنازعة في مال أو جاه التي تحمل الغصب ، وتحمل على الفرح بالمعصية والغم بالسرور ، والغضب لله لا يمنع ، ككون المغضوب عليه كافرا أو فاسقا ، فإنه يدل على قوة الإيمان ، فهو أولى بأن يؤكد العدالة ، قال الإمام أبو عبد الله : إلا أن يسري ذلك إلى إفراط لذي الفاسد حتى يحقد الصدر فيعاديه حينئذ لنفسه لا لله فترد الشهادة إذا تحققت التهمة ، ولو كانت عداوة الدين تمنع لما قبلت شهادتها على الكافر ، ووافقنا ( ش ) وابن حنبل ، وقال ( ح ) : العداوة لا تمنع مطلقا ، لنا : قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ) والظنة : التهمة ، والعدو متهم على عدوه ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وتقبل شهادة ذي الغمر على أخيه ، ولا الخائن والخائنة ) ولا البائع لأهل البيت ، والبائع ، قيل : السائل ، وقيل : البائع لأهل البيت كالوكيل وغيره ، والغمر : الحقد ، وهذا نص ، قياسا على الولد بجامع التهمة .

                                                                                                                [ ص: 267 ] احتجوا : بالظواهر ، نحو قوله تعالى : ( ذوي عدل ) و ( شهيدين من رجالكم ) ولأن عدالته تمنعه أن يشهد على عدوه بالباطل ، ولأنهما ليس بينهما سبب توارث فلا تمتنع شهادته عليه قياسا على غير العدو .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن دليلنا أخص من تلك العمومات فيتقدم عليها .

                                                                                                                وعن الثاني : أنه ينتقص بغمر ذي النسب ، ولا نسلم أن العدالة تمنع إلا عند عدم المعارض .

                                                                                                                وعن الثالث : الفرق أن العداوة توجب التهمة بخلاف غير العدو .

                                                                                                                وفي الباب ثمان مسائل :

                                                                                                                المسألة الأولـى ، قال صاحب البيان : قال مالك : إذا ردت للعداوة لا يحلف ، بخلاف الخلطة ، وعن سحنون : ذلك آكد من الخلطة فيحلف ، وهذا على الخلاف في الخلطة ، هل لا تثبت إلا بما تثبت به الحقوق ، أو يكتفى فيها بالشاهد الواحد والمرأة الواحدة .

                                                                                                                المسألة الثانية ، قال : قال مالك : إذا شهد وجب عليه أن يخبر الحاكم بأنه عدو ، وعن سحنون : لا يخبر تنفيذا للحق ، ولا يسعى في إبطاله ، وهو الأصح ، وقولهم : لو سكت لكان ساعيا في إثبات الحكم بغير سببية ، ضعيف ; لأن الحق يصل وهو المقصود ، قال ابن القاسم : وإذا ادعى أنك تعلم أن الذي يشهد عليه بريح الخمر عدو له ، أخبرت بذلك القاضي إلا أن يكون المشهود عليه أقر عندك أن الذي وجد منه خمر ، فلا يخبره بذلك حتى يقام الحد ، وكذلك إذا أقر عندك بالدين الذي شهد به عليه أعداؤه ، ولا يخبر القاضي بذلك .

                                                                                                                المسألة الثالثة ، قال : قال ابن القاسم : إذا سجن صاحب السوق سكرانا لا يشهد عليه ، وبسجنه صار عدوا ، وكذلك إذا شهدوا بالزنى ، وتعلقوا بالمشهود [ ص: 268 ] عليه ، ورفعوه للسلطان ; لأن الرفع والتعلق لا يلزمهم ، بل مكروه ; لأنهم مأمورون بالستر فلا تنفذ شهادتهم عليه ، وصاروا قذفة يحدون إلا أن يأتوا بأربعة غيرهم على شروط شهادة [ . . . ] موكلين بذلك صحت شهادتهم ، وقال أصبغ ومطرف : تقبل شهادة الأولين ; لأن الستر وإن أمروا به إلا أنه لم يحرم عليهم ذلك فيقبلوا إذا فعلوا ذلك لله ، ولو شهدوا فيما يستدام فيه التحريم كالطلاق والعتق لجازت وإن قاموا ; لأن القيام متعين ، وقال بعض المتأخرين على قول ابن القاسم : ترد لاتهامهم في إتمام ما قاموا فيه .

                                                                                                                المسألة الرابعـة : قال : قال ابن القاسم : تجوز شهادة أعداء الوصي عن الصبي أنه جرح إنسانا ، أو على الميت بدين إذا لم يكن بيد الوصي مال تؤخذ منه دية الجراح ، أو كانت ديته أكثر من الثلث حتى تحمل العاقلة ، وكذلك الدين يجوز قبل أن يصير المال بيد الوصي ، أما بعد فلا ، وتمتنع شهادة أعداء الأب على الابن ، قال سحنون : تجوز على الابن ، وكذلك أعداء الابن على الأب في المال دون القصاص والحدود ، كذلك على الأخ ، ووافق ابن القاسم سحنون أنها تجوز على الأخ في المال لخفته ، قال ابن يونس : قال محمد : تمتنع شهادة عدوك عليك ، وتجوز على ولدك وإن كان في كفالتك ، إذا لم يكن في شهادته حد أو قصاص ; لأن ذلك يلصق بك ، وكذلك الأم والجد ، ومنع عبد الملك شهادته على ابنك مطلقا ; لأنه يؤملك .

                                                                                                                المسألة الخامسة : قال صاحب البيان : قال ابن القاسم : إذا حدثت العداوة بعد الأداء وقبل الحكم ; لا يضر لتأخر المانع عن زمن الاعتبار ، قال اللخمي : إذا كانت عنده شهادة وهو يذكرها ثم عاداه ، فاختلف في قبول شهادته ، قال : والقبول أحسن إذا كانت قيدت عنه حذر الزيادة والتغير ، والقول الآخر يلاحظ [ ص: 269 ] أن الشاهد قد تكون عنده شهادة فيها ريبة فيتحدث بها قبل الأداء ، ولا يذكر الريبة فيؤديها بعد العداوة مع الريبة المانعة .

                                                                                                                المسألة السادسة ، قال ابن يونس : قال سحنون : إذا شهدت عليه فشهد عليك بعد ذلك وهو في خصومته ، ردت شهادته ، وذلك بعد الشهرين ونحوهما من وقت شهادتك عليه .

                                                                                                                المسألة السابعة ، قال اللخمي : إذا اصطلح المتهاجران : قال عبد الملك : ترد الشهادة لأحدهما على الآخر بقرب الصلح حتى تظهر البراءة من العداوة ، قال ابن كنانة : يجوز عقيب الصلح إن كانت الهجرة خفيفة في أمر خفيف ، وقال محمد : تجوز الشهادة إذا اصطلحا ، ولم يفرق ، وقال عبد الملك : إن سلم عليه ولم يكلمه : امتنعت الشهادة .

                                                                                                                المسألة الثامنة ، وفي الجواهر : كل من لا تجوز شهادته عليك لا يزكي من شهد عليك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية