الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      [ الشرك الأصغر ]


      والثان شرك أصغر وهو الريا فسره به ختام الأنبيا



      ( و ) النوع ( الثان ) من نوعي الشرك ( شرك أصغر ) لا يخرج من الملة ، ولكنه ينقص ثواب العمل وقد يحبطه إذا زاد وغلب ( وهو الريا ) اليسير في تحسين العمل ( فسره به ) ; أي فسر الشرك الأصغر بالريا ختام الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم في قوله : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " . قالوا : يا رسول الله ، وما الشرك الأصغر ؟ قال : " الرياء " . وبذلك فسر قول الله عز وجل : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ( الكهف : 110 ) .

      وعن شهر بن حوشب قال : جاء رجل إلى عبادة بن الصامت فقال : أنبئني عما أسألك عنه ، أرأيت رجلا يصلي يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد ، ويصوم يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد ، ويتصدق يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد ، ويحج يبتغي [ ص: 490 ] وجه الله ويحب أن يحمد . فقال عبادة : ليس له شيء ، إن الله تعالى يقول : أنا خير شريك ، فمن كان له معي شرك فهو له كله لا حاجة لي فيه " .

      وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي ؟ " قال : قلنا بلى . قال : " الشرك الخفي ; أن يقوم الرجل يصلي لمقام الرجل " رواه أحمد . وفيه رواية : " يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه " . وله عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من الشهوة الخفية والشرك " فقال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء : اللهم غفرا ، ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب ؟ أما الشهوة الخفية فقد عرفناها هي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها ، فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد ؟ فقال شداد : أرأيتكم لو رأيتم رجلا يصلي لرجل أو يصوم لرجل أو يتصدق أترون أنه قد أشرك ؟ قالوا : نعم والله ، إن من صلى لرجل أو صام أو تصدق له لقد أشرك . فقال شداد : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من صلى يرائي فقد أشرك ، ومن صام يرائي فقد أشرك ، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " . قال عوف بن مالك عند ذلك : أفلا يعمد الله إلى ما ابتغي به وجهه من ذلك العمل كله فيقبل ما خلص منه ويدع ما أشرك به ؟ فقال شداد عند ذلك : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى يقول : أنا خير قسيم لمن أشرك بي ، من أشرك بي شيئا فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به ، أنا عنه غني " .

      وله عنه رضي الله عنه أنه بكى فقيل : ما يبكيك ؟ قال : شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبكاني ، سمعت رسول الله يقول : " أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية " . قلت : يا رسول الله ، أتشرك [ ص: 491 ] أمتك من بعدك ؟ قال : " نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا ، ولكن يراءون بأعمالهم . والشهوة الخفية ، أن يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه " ورواه ابن ماجه .

      وللبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله يوم القيامة : أنا خير شريك ، من أشرك بي أحدا فهو له كله " . ولأحمد عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن الله عز وجل أنه قال : " أنا خير الشركاء ، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا بريء منه ، وهو للذي أشرك " . وله عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : " الرياء . يقول الله يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء " .

      وله عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري - وكان من الصحابة - أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه ، نادى مناد : من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا ، فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك " أخرجه الترمذي وابن ماجه . ولأحمد عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سمع سمع الله به ومن راءى [ ص: 492 ] راءى الله به " . وله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من يرائي يرائي الله به ، ومن يسمع يسمع الله به . وله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سمع الناس بعلمه سمع الله به مسامع خلقه وصغره وحقره " فذرفت عينا عبد الله .

      وللبزار عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله عز وجل يوم القيامة في صحف مختمة ، فيقول الله : ألقوا هذا واقبلوا هذا . فتقول الملائكة : يا رب ، والله ما رأينا منه إلا خيرا . فيقول : إن عمله كان لغير وجهي ، ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما أريد به وجهي " . ولوهب عن عبد الله بن قيس الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قام رياء وسمعة لم يزل في مقت الله حتى يجلس " . ولأبي يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل " .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية