الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 671 ] ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في المحرم منها دخل رأس رافع بن هرثمة إلى بغداد فأمر الخليفة بنصبه في الجانب الشرقي إلى الظهر ثم بالجانب الغربي إلى الليل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الأول منها خلع على محمد بن يوسف بن يعقوب بالقضاء بمدينة المنصور عوضا عن ابن أبي الشوارب بعد موته بخمسة أشهر وأيام وهي شاغرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الآخر ظهرت بمصر ظلمة شديدة وحمرة في الأفق حتى كان الرجل ينظر إلى وجه صاحبه فيراه أحمر اللون جدا وكذلك الجدران فمكثوا كذلك من العصر إلى الليل ثم خرجوا إلى الصحراء يدعون الله ويتضرعون حتى كشف عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر فحذره وزيره عبيد الله بن سليمان بن وهب من ذلك ، فإن العامة تنكر قلوبهم وهم يترحمون عليه في أسواقهم وجوامعهم فلم يلتفت إليه وأمر بذلك وأمضاه وكتبت نسخ بلعن معاوية وذكر فيها ذمه وذم ابنه يزيد بن معاوية وجماعة من بني أمية وأورد فيها أحاديث باطلة في ذم معاوية وقرئت في [ ص: 672 ] الجانبين من بغداد ونهيت العامة عن الترحم على معاوية والترضي عنه ، فلم يزل به الوزير حتى قال له فيما قال : يا أمير المؤمنين إن هذا الصنيع مما يرغب العامة في الطالبيين وقبول الدعوة إليهم . فوجم لذلك المعتضد وترك ما كان عزم عليه من ذلك لخوفه على الملك وقدر الله تعالى أن هذا الوزير كان ناصبيا يبغض عليا فكان هذا من هفوات المعتضد ، سامحه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها نودي في البلدان : لا يجتمع العامة على قاص ولا كاهن ولا منجم ولا جدلي ولا غير ذلك وأن لا يهتموا لأمر النوروز ثم أطلق لهم أمر النوروز فكانوا يصبون المياه على المارة فتوسعت العامة في ذلك وغلوا فيه حتى جعلوا يصبون المياه على الجند وعلى أصحاب الشرط وغيرهم وهذا أيضا من هفواته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : وفي هذه السنة وعد المنجمون الناس أن أكثر الأقاليم ستغرق في زمن الشتاء من كثرة الأمطار والسيول وزيادة الأنهار فأكذبهم الله في قولهم هذا ، فلم تكن سنة أقل مطرا منه وقلت العيون جدا وقحطت الناس في كل بقعة حتى استسقى الناس ببغداد وغيرها من البلاد مرارا كثيرة ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وفي هذه السنة كان يتبدى بالليل في دار الخلافة شخص بيده سيف [ ص: 673 ] مشهور ، فإذا أرادوا أخذه انهزم منهم فدخل في بعض الأماكن والزروع والأشجار والعطفات التي بدار الخلافة فلا يطلع له على خبر ، فقلق من ذلك المعتضد قلقا شديدا وأمر بتجديد سور دار الخلافة والاحتفاظ به وأمر الحرس من كل جانب بشدة الاحتراس فلم يفد ذلك شيئا ثم استدعى بالمعزمين ومن يعاني علم السحر وأمر المجانين فعزموا واجتهدوا فلم يفد ذلك شيئا فأعياهم أمره ، ثم بعد مدة اطلع على جلية خبره وحقيقة أمره ، أنه كان خادما خصيا من الخدام كان يتعشق بعض الجواري من خواص الحظايا اللاتي لا يصل مثله إلى النظر إليها فكان قد اتخذ لحى مختلفة الألوان فيلبس الواحدة ويتبدى في الليل في شكل مزعج فينزعج الجواري والخدم ويثورون من كل جانب ويقصدونه فيدخل في بعض العطفات ويخلعها ويجعلها في كمه ، ثم يظهر أنه من جملة الخدم المتطلبين لكشف هذا الأمر ويسأل هذا وهذا ما الخبر ؟ والسيف في يده في صفة أنه من جملة من رهب من هذا الأمر وإذا اجتمع الجواري يتمكن من النظر إلى تلك المعشوقة وملاحظتها والإشارة إليها بما يريده منها ، فلم يزل ذلك دأبه إلى زمن المقتدر فبعث في سرية إلى طرسوس فنمت عليه تلك الجارية وانكشف زيفه ومحاله وأهلكه الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 674 ] وفي هذه السنة اضطرب الجيش على هارون بن خمارويه بمصر فأقاموا له بعض أمراء أبيه يدبر الأمور ويصلح الأحوال وهو أبو جعفر بن أبا فبعث إلى دمشق وكانت قد منعت بيعة جيش ابن خمارويه في مدة ولايته تسعة أشهر بعد أبيه واضطربت أحوالها فبعث إليهم جيشا كثيفا مع بدر الحمامي والحسين بن أحمد الماذرائي فأصلحا أمرها واستعملا على نيابتها طغج بن جف ورجعا إلى الديار المصرية . والأمور مختلفة جدا ، وهكذا يكون انقضاء الدول في أواخرها ، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال [ الرعد : 11 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية