الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
[ ص: 274 ] مطلب : هل يزول الهجر المحرم بالسلام ؟

( تنبيهان ) :

( الأول ) : ظاهر ما ذكرنا من الأحاديث أن الهجر المحرم يزول بالسلام وذكره في الآداب والرعاية والمستوعب وزاد ولا ينبغي له أن يترك كلامه بعد السلام عليه . وروى أبو حفص عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { السلام يقطع الهجران } وذكر النووي أن مذهب مالك والشافعي ومن وافقهما يزول الهجر المحرم بالسلام . وقال الإمام أحمد وابن القاسم المالكي : إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرانه .

قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن السلام يقطع الهجران ؟ فقال قد يسلم عليه وقد صدر عنه . ثم قال أبو عبد الله رضي الله عنه عنه : النبي صلى الله عليه وسلم يقول { يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا } فإذا كان قد عوده أن يكلمه وأن يصافحه ثم قال إلا أنه ما كان من هجران في شيء يخاف عليه فهو الكفر فهو جائز . ثم قال أبو عبد الله : النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة كعب بن مالك حين خاف عليهم ولم يدر ما يقول فيهم " لا تكلموهم " فظاهر كلام الإمام أحمد رضي الله عنه أنه لا يخرج من الهجرة بمجرد السلام بل بعوده إلى حاله مع المهجور قبل الهجرة .

قال القاضي : وإنما لم يجعله أحمد خارجا من الهجرة بمجرد السلام حتى يعود إلى عادته معه في الاجتماع والمؤانسة ، لأن الهجرة لا تزول إلا بعودته معه . انتهى .

وقد قال الإمام أحمد للذي تشتمه ابنة عمه : إذا لقيتها سلم عليها اقطع المصارمة . فظاهر هذه الرواية أن السلام يقطعها مطلقا . وجزم به ابن حمدان والسامري وغيرهما ، وقطع به في الإقناع والله أعلم .

( الثاني ) : ظاهر كلام الأصحاب رضوان الله عليهم أن الهجر المحرم لا يزول بغير مشافهة ، ونص عليه الشافعي . قال في الآداب الكبرى : ويتوجه على قول من جعل من أصحابنا الكتابة والمراسلة كلاما أن يزول الهجر المحرم بها . قال ثم وجدت ابن عقيل ذكره . وللشافعية وجهان .

قال النووي : أصحهما يزول لزوال الوحشة . انتهى . وظاهر كلام سيدنا [ ص: 275 ] الإمام أحمد أنه يزول . قال ابن رزين في مختصره فيما لو حلف أن لا يكلمه فكتب أو أرسل إليه ، نص أحمد على أنه ينظر إلى سبب يمينه ، فإن كان نيته أو سبب يمينه يقتضي هجرانه وترك صلته حنث . انتهى . فدل هذا على أن الكتابة والمراسلة كلام ، والله تعالى الموفق لكل خير .

التالي السابق


الخدمات العلمية