الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 127 ] المسألة الرابعة

              ما تقرر من أمية الشريعة ، وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب ، ينبني عليه قواعد :

              منها : أن كثيرا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد; فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين ; من علوم الطبيعيات والتعاليم ، والمنطق ، وعلم الحروف ، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها ، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح ، وإلى هذا; فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه ، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى ، سوى ما تقدم ، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف ، وأحكام الآخرة ، وما يلي ذلك ، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر ، لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة; إلا أن [ ص: 128 ] ذلك لم يكن فدل على أنه غير موجود عندهم ، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا ، نعم ، تضمن علوما هي من جنس علوم العرب ، أو ما ينبني على معهودها مما يتعجب منه أولو الألباب ، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة دون الاهتداء بإعلامه ، والاستنارة بنوره ، أما أن فيه ما ليس من ذلك ، فلا .

              [ ص: 129 ] وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ النحل : 89 ] .

              وقوله : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ الأنعام : 38 ] .

              ونحو ذلك ، وبفواتح السور وهي مما لم يعهد عند العرب ، وبما نقل عن الناس فيها ، وربما حكي من ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أشياء .

              فأما الآيات; فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد ، أو المراد بالكتاب في قوله :ما فرطنا في الكتاب من شيء [ الأنعام : 38 ] اللوح المحفوظ ، ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية .

              وأما فواتح السور; فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهدا; كعدد الجمل الذي تعرفوه من أهل الكتاب ، حسب ما ذكره أصحاب السير ، أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله تعالى ، وغير ذلك ، وأما تفسيرها بما لا عهد به; فلا يكون ، ولم يدعه أحد ممن تقدم ، فلا دليل فيها على ما [ ص: 130 ] ادعوا ، وما ينقل عن علي أو غيره في هذا لا يثبت ، فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه ، كما أنه لا يصح أن ينكر منه ما يقتضيه ، ويجب الاقتصار في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة .

              [ ص: 131 ] فبه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية ، فمن طلبه بغير ما هو أداة له; ضل عن فهمه ، وتقول على الله ورسوله فيه ، والله أعلم ، وبه التوفيق .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية