الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 105 ] المسألة الثانية

              للغة العربية من حيث هي ألفاظ دالة على معان نظران :

              أحدهما : من جهة كونها ألفاظا وعبارات مطلقة ، دالة على معان مطلقة ، وهي الدلالة الأصلية .

              والثاني : من جهة كونها ألفاظا وعبارات مقيدة دالة على معان خادمة ، وهي الدلالة التابعة .

              فالجهة الأولى هي التي يشترك فيها جميع الألسنة ، وإليها تنتهي مقاصد المتكلمين ، ولا تختص بأمة دون أخرى ، فإنه إذا حصل في الوجود فعل لزيد مثلا كالقيام ، ثم أراد كل صاحب لسان الإخبار عن زيد بالقيام ، تأتى له ما أراد من غير كلفة ، ومن هذه الجهة يمكن في لسان العرب الإخبار عن أقوال الأولين - ممن ليسوا من أهل اللغة العربية - وحكاية كلامهم ، ويتأتى في لسان العجم حكاية أقوال العرب والإخبار عنها ، وهذا لا إشكال فيه .

              وأما الجهة الثانية; فهي التي يختص بها لسان العرب في تلك الحكاية وذلك الإخبار ، فإن كل خبر يقتضي في هذه الجهة أمورا خادمة لذلك الإخبار بحسب الخبر والمخبر والمخبر عنه والمخبر به ، ونفس الإخبار في الحال ، والمساق ، ونوع الأسلوب من الإيضاح والإخفاء ، والإيجاز والإطناب ، وغير ذلك .

              وذلك أنك تقول في ابتداء الإخبار : قام زيد إن لم تكن ثم عناية بالمخبر عنه ، بل بالخبر ، فإن كانت العناية بالمخبر عنه قلت : زيد قام ، وفي جواب السؤال أو ما هو منزل تلك المنزلة : إن زيدا قام ، وفي جواب المنكر [ ص: 106 ] لقيامه : والله إن زيدا قام ، وفي إخبار من يتوقع قيامه أو الإخبار بقيامه : قد قام زيد ، أو زيد قد قام ، وفي التنكيت على من ينكر : إنما قام زيد .

              ثم يتنوع أيضا بحسب تعظيمه أو تحقيره - أعني المخبر عنه - ، وبحسب الكناية عنه والتصريح به ، وبحسب ما يقصد في مساق الأخبار ، وما يعطيه مقتضى الحال ، إلى غير ذلك من الأمور التي لا يمكن حصرها ، وجميع ذلك دائر حول الإخبار بالقيام عن زيد .

              فمثل هذه التصرفات التي يختلف معنى الكلام الواحد بحسبها ليست هي المقصود الأصلي ، ولكنها من مكملاته ومتمماته ، وبطول الباع في هذا النوع يحسن مساق الكلام إذا لم يكن فيه منكر ، وبهذا النوع الثاني اختلفت العبارات وكثير من أقاصيص القرآن ، لأنه يأتي مساق القصة في بعض السور على وجه ، وفي بعضها على وجه آخر ، وفي ثالثة على وجه ثالث ، وهكذا ما تقرر فيه من الإخبارات ، لا بحسب النوع الأول ، إلا إذا سكت عن بعض التفاصيل في بعض ونص عليه في بعض ، وذلك أيضا لوجه اقتضاه الحال والوقت ، وما كان ربك نسيا [ مريم : 64 ] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية