الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ( 29 ) قال أولو جئتك بشيء مبين ( 30 ) قال فأت به إن كنت من الصادقين ( 31 ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ( 32 ) ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ( 33 ) قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم ( 34 ) يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ( 35 ) قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين ( 36 ) يأتوك بكل سحار عليم ( 37 ) )

                                                                                                                                                                                                    لما قامت على فرعون الحجة بالبيان والعقل ، عدل إلى أن يقهر موسى بيده وسلطانه ، وظن أنه ليس وراء هذا المقام مقال فقال : ( لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ) . فعند ذلك قال موسى : ( أولو جئتك بشيء مبين ) ؟ أي : ببرهان قاطع واضح .

                                                                                                                                                                                                    ( قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ) أي : ظاهر واضح في غاية الجلاء والوضوح والعظمة ، ذات قوائم وفم كبير ، وشكل هائل مزعج .

                                                                                                                                                                                                    ( ونزع يده ) أي : من جيبه ( فإذا هي بيضاء للناظرين ) أي : تتلألأ كقطعة من القمر . فبادر فرعون - بشقائه - إلى التكذيب والعناد ، فقال للملأ حوله : ( إن هذا لساحر عليم ) أي : فاضل بارع في السحر . فروج عليهم فرعون أن هذا من قبيل السحر لا من قبيل المعجزة ، ثم هيجهم وحرضهم على مخالفته ، والكفر به . فقال ( يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ) ؟ أي : أراد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا ، فيكثر أعوانه وأنصاره وأتباعه ويغلبكم على دولتكم ، فيأخذ البلاد منكم ، فأشيروا علي فيه ماذا أصنع به؟

                                                                                                                                                                                                    ( قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم ) [ أي : أخره وأخاه حتى تجمع له من مدائن مملكتك وأقاليم دولتك كل سحار عليم ] يقابلونه ، ويأتون بنظير ما جاء به ، فتغلبه أنت وتكون لك النصرة والتأييد . فأجابهم إلى ذلك . وكان هذا من تسخير الله تعالى [ ص: 140 ] لهم في ذلك; ليجتمع الناس في صعيد واحد ، ولتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس في النهار جهرة .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية