الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب خروج النار وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب

                                                                                                                                                                                                        6701 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال سعيد بن المسيب أخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى [ ص: 85 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 85 ] قوله : باب خروج النار ) أي من أرض الحجاز ، ذكر فيه ثلاثة أحاديث :

                                                                                                                                                                                                        الأول : قوله : وقال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ) وتقدم في أواخر " باب الهجرة " في قصة إسلام عبد الله بن سلام موصولا من طريق حميد عن أنس ولفظه " وأما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب " ووصله في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن حميد بلفظ " نار تحشر الناس " والمراد بالأشراط العلامات التي يعقبها قيام الساعة ، وتقدم في " باب الحشر " من كتاب الرقاق صفة حشر النار لهم .

                                                                                                                                                                                                        الحديث الثاني . قوله : عن الزهري قال سعيد بن المسيب ) في رواية أبي نعيم في المستخرج " عن سعيد بن المسيب " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : حتى تخرج نار من أرض الحجاز ) قال القرطبي في " التذكرة " : قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة ، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت ، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط عليه شراريف وأبراج ومآذن ، وترى رجالا يقودونها ، لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته ، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وأزرق له دوي كدوي الرعد يأخذ الصخور بين يديه وينتهي إلى محط الركب العراقي ، واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم ، فانتهت النار إلى قرب المدينة ، ومع ذلك فكان يأتي المدينة نسيم بارد ، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر ، وقال لي بعض أصحابنا : رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام ، وسمعت أنها رئيت من مكة ومن جبال بصرى . وقال النووي : تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام . وقال أبو شامة في " ذيل الروضتين " : وردت في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين كتب من المدينة الشريفة فيها شرح أمر عظيم حدث بها فيه تصديق لما في الصحيحين ، فذكر هذا الحديث ، قال : فأخبرني بعض من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب ، فمن الكتب . فذكر نحو ما تقدم ، ومن ذلك أن في بعض الكتب : ظهر في أول جمعة من جمادى الآخرة في شرقي المدينة نار عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض وسال منها واد من نار حتى حاذى جبل أحد . وفي كتاب آخر : انبجست الأرض من الحرة بنار عظيمة يكون قدرها مثل مسجد المدينة وهي برأي العين من المدينة ، وسال منها واد يكون مقداره أربع فراسخ وعرضه أربع أميال يجري على وجه الأرض ويخرج منه مهاد وجبال صغار . وفي كتاب آخر : ظهر ضوؤها إلى أن رأوها من مكة ، قال ولا أقدر أصف عظمها ، ولها دوي . قال أبو شامة : ونظم الناس في هذا أشعارا ، ودام أمرها أشهرا ، ثم خمدت . والذي ظهر لي أن النار المذكورة في حديث الباب هي التي ظهرت بنواحي المدينة كما فهمه القرطبي وغيره ، وأما النار التي تحشر الناس فنار أخرى . وقد وقع في بعض بلاد الحجاز في الجاهلية نحو هذه النار التي ظهرت بنواحي المدينة في زمن خالد بن سنان العبسي ، فقام في أمرها حتى أخمدها ومات بعد ذلك في قصة له ذكرها أبو عبيدة معمر بن المثنى في " كتاب الجماجم " وأوردها الحاكم في " المستدرك " من طريق يعلى بن مهدي عن أبي عوانة عن أبي يونس عن عكرمة عن ابن عباس : أن رجلا من بني عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه إني أطفئ عنكم نار الحدثان فذكر القصة وفيها فانطلق وهي تخرج من شق جبل من حرة [ ص: 86 ] يقال لها حرة أشجع فذكر القصة في دخوله الشق والنار كأنها جبل سقر " فضربها بعصاه حتى أدخلها وخرج " وقد أوردت لهذه القصة طرفا من ترجمته في كتابي في الصحابة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( تضيء أعناق الإبل ببصرى ) قال ابن التين : يعني من آخرها يبلغ ضوؤها إلى الإبل التي تكون ببصرى وهي من أرض الشام " وأضاء يجيء لازما ومتعديا ، يقال أضاءت النار وأضاءت النار غيرها " وبصرى بضم الموحدة وسكون المهملة مقصور بلد بالشام وهي حوران . وقال أبو البقاء : أعناق بالنصب على أن تضيء متعد والفاعل النار أي تجعل على أعناق الإبل ضوءا ، قال : ولو روى بالرفع لكان متجها أي تضيء أعناق الإبل به كما جاء في حديث آخر " أضاءت له قصور الشام " وقد وردت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر أخرجه ابن عدي في الكامل من طريق عمر بن سعيد التنوخي عن ابن شهاب عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمر بن الخطاب يرفعه : لا تقوم الساعة حتى يسيل واد من أودية الحجاز بالنار تضيء له أعناق الإبل ببصرى " وعمر ذكره ابن حبان في الثقات ولينه ابن عدي والدارقطني ، وهذا ينطبق على النار المذكورة التي ظهرت في المائة السابعة . وأخرج أيضا الطبراني في آخر حديث حذيفة بن أسيد الذي مضى التنبيه عليه " وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من رومان أو ركوبة تضيء منها أعناق الإبل ببصرى " . قلت : وركوبة ثنية صعبة المرتقى في طريق المدينة إلى الشام مر بها النبي في غزوة تبوك ذكره البكري ، ورومان لم يذكره البكري ولعل المراد رومة البئر المعروفة بالمدينة ، فجمع في هذا الحديث بين النارين وأن إحداهما تقع قبل قيام الساعة مع جملة الأمور التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم ; والأخرى هي التي يعقبها قيام الساعة بغير تخلل شيء آخر ، وتقدم الثانية على الأولى في الذكر لا يضر والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية