الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 272 ] ثم دخلت سنة خمس وعشرين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها دخل بغا الكبير ومعه منكجور ، قد أعطى الطاعة بالأمان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها عزل المعتصم جعفر بن دينار عن نيابة اليمن ، وغضب عليه ، وولى اليمن إيتاخ .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وجه عبد الله بن طاهر بالمازيار ، فدخل بغداد على بغل بإكاف لخمس خلون من ذي القعدة ، فضربه المعتصم بين يديه أربعمائة وخمسين سوطا ثم سقي الماء حتى مات ، وأمر بصلبه إلى جنب بابك الخرمي وأقر في ضربه أن الأفشين كان يكاتبه ويحسن له خلع الطاعة ، فغضب المعتصم على الأفشين وأمر بسجنه ، فبني له مكان كالمنارة من دار الخلافة يسمى الكوة ، إنما يسعه فقط ، وذلك حين تحقق الخليفة أنه كان يريد مخالفته والخروج عليه ، وأنه يعزم على الذهاب إلى بلاد الخزر ليستجيش بهم على المسلمين ، فعاجله الخليفة بالقبض عليه قبل ذلك كله ، وعقد له المعتصم مجلسا فيه قاضيه أحمد بن أبي دواد المعتزلي ، ووزيره محمد بن عبد الملك بن الزيات ، [ ص: 273 ] ونائبه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب ، فاتهم الأفشين في هذا المجلس بأشياء تدل على أنه باق على دين أجداده من الفرس ؛ منها أنه غير مختتن ، فاعتذر أنه يخاف ألم ذلك ، فقال له الوزير وهو الذي كان يناظره من بين القوم : فأنت تطاعن بالرماح في الحروب ولا تخاف من طعنها ، وتخاف من قطع قلفة ببدنك ؟ ! ومنها أنه ضرب رجلين إماما ومؤذنا ، كل واحد ألف سوط ؛ لأنهما هدما بيت أصنام فاتخذاه مسجدا ، وأنه عنده كتاب " كليلة ودمنة " وفيه الكفر ، وهو محلى بالجواهر ، والذهب ، فاعتذر أنه ورثه من آبائه ، واتهم بأن الأعاجم يكاتبونه فتقول : إلى إله الآلهة من عبيده ، وأنه يقرهم على ذلك ، فجعل يعتذر بأنه أجراهم على ما كانوا يكاتبون به آباءه وأجداده وخاف أن يأمرهم بترك ذلك فيتضع عندهم . فقال له الوزير : ويحك ، فماذا أبقيت لفرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ؟ وأنه كان يكاتب المازيار بأن يخرج عن الطاعة ، وأنه في ضيق حتى ينصر دين المجوس الذي كان قديما ، ويظهره على دين العرب والمغاربة والأتراك ، وأنه كان يستطيب المنخنقة على المذبوحة ، وأنه كان في كل يوم أربعاء يستدعي بشاة سوداء ، فيضربها بالسيف نصفين ، ويمشي بينهما ثم يأكلهما ، فعند ذلك أمر المعتصم بغا الكبير أن يسجنه مهانا ذليلا ، فجعل يقول : إني كنت أتوقع منكم ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 274 ] وفي هذه السنة حمل عبد الله بن طاهر الحسن بن الأفشين وزوجته أترجة بنت أشناس إلى سامرا . وحج بالناس فيها محمد بن داود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية