الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب احتيال العامل ليهدى له

                                                                                                                                                                                                        6578 حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول اللهم هل بلغت بصر عيني وسمع أذني [ ص: 365 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 365 ] قوله : ( باب احتيال العامل ليهدى له ) ذكر فيه حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية ، وقد تقدم بعض شرحه في الهبة وتقدمت تسميته وضبط اللتبية في كتاب الزكاة ، ويأتي استيفاء شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        ومطابقته للترجمة من جهة أن تملكه ما أهدي له إنما كان لعلة كونه عاملا فاعتقد أن الذي أهدي له يستبد به دون أصحاب الحقوق التي عمل فيها ، فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له وأنه لو أقام في منزله لم يهد له شيء ، فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية فإن ذاك إنما يكون حيث يتمحض الحق له ، وقوله في آخره : " بصر عيني وسمع أذني " بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة وفتح السين المهملة وكسر الميم .

                                                                                                                                                                                                        قال المهلب : حيلة العامل ليهدى له تقع بأن يسامح بعض من عليه الحق فلذلك قال : " هلا جلس في بيت أمه لينظر هل يهدى له " فأشار إلى أنه لولا الطمع في وضعه من الحق ما أهدي له ، قال : فأوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الهدية وضمها إلى أموال المسلمين ، كذا قال ولم أقف على أخذ ذلك منه صريحا .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن بطال : دل الحديث على أن الهدية للعامل تكون لشكر معروفه أو للتحبب إليه أو للطمع في وضعه من الحق ، فأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أنه فيما يهدى له من ذلك كأحد المسلمين لا فضل له عليهم فيه وأنه لا يجوز الاستئثار به انتهى .

                                                                                                                                                                                                        والذي يظهر أن الصورة الثالثة إن وقعت لم تحل للعامل جزما وما قبلها في طرف الاحتمال ، وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية