الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الرجم في البلاط

                                                                                                                                                                                                        6433 حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان حدثني عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعا فقال لهم ما تجدون في كتابكم قالوا إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبيه قال عبد الله بن سلام ادعهم يا رسول الله بالتوراة فأتي بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له ابن سلام ارفع يدك فإذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما قال ابن عمر فرجما عند البلاط فرأيت اليهودي أجنأ عليها [ ص: 131 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 131 ] قوله : ( باب الرجم في البلاط ) في رواية المستملي : " بالبلاط " بالموحدة بدل " في ففهم منه بعضهم أنه يريد أن الآلة التي يرجم بها تجوز بكل شيء حتى بالبلاط وهو بفتح الموحدة وفتح اللام ما تفرش به الدور من حجارة وآجر وغير ذلك وفيه بعد ، والأولى أن الباء ظرفية ودل على ذلك رواية غير المستملي ، والمراد بالبلاط هنا موضع معروف عند باب المسجد النبوي كان مفروشا بالبلاط ، ويؤيد ذلك قوله في هذا المتن : " فرجما عند البلاط " ، وقيل : المراد بالبلاط الأرض الصلبة سواء كانت مفروشة أم لا ورجحه بعضهم والراجح خلافه .

                                                                                                                                                                                                        قال أبو عبيد البكري : البلاط بالمدينة ما بين المسجد والسوق ، وفي الموطأ عن عمه أبي سهيل بن مالك بن أبي عامر عن أبيه كنا نسمع قراءة عمر بن الخطاب ونحن عند دار أبي جهم بالبلاط ، وقد استشكل ابن بطال هذه الترجمة فقال : البلاط وغيره في ذلك سواء ، وأجاب ابن المنير بأنه أراد أن ينبه على أن الرجم لا يختص بمكان معين للأمر بالرجم بالمصلى تارة وبالبلاط أخرى ، قال : ويحتمل أنه أراد أن ينبه على أنه لا يشترط الحفر للمرجوم لأن البلاط لا يتأتى الحفر فيه ، وبهذا جزم ابن القيم وقال : أراد رد رواية بشير بن المهاجر عن أبي بريدة عن أبيه " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر فحفرت لماعز بن مالك حفرة فرجم فيها " أخرجه مسلم .

                                                                                                                                                                                                        قال : هو وهم سرى من قصة الغامدية إلى قصة ماعز ، قلت : ويحتمل أن يكون أراد أن ينبه على أن المكان الذي يجاور المسجد لا يعطى حكم المسجد في الاحترام لأن البلاط المشار إليه موضع كان مجاورا للمسجد النبوي كما تقدم ومع ذلك أمر بالرجم عنده ، وقد وقع في حديث ابن عباس عند أحمد والحاكم : " أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجم اليهوديين عند باب المسجد " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا محمد بن عثمان ) زاد أبو ذر ابن كرامة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن سليمان ) هو ابن بلال ، وهو غريب ، ضاق على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه عن عبد الله بن جعفر المديني أحد الضعفاء ، ولو وقع عن سليمان بن بلال لم يعدل عنه ، وكذا ضاق على أبي نعيم فلم يستخرجه بل أورده بسنده عن البخاري ، وخالد بن مخلد أكثر البخاري عنه بواسطة وبغير واسطة ، وقد تقدم له في الرقاق عن محمد بن عثمان بن كرامة عن خالد بن مخلد حديث ، وتقدم في العلم والهبة والمناقب وغيرها عدة أحاديث ، وكذا يأتي في التعبير والاعتصام عن خالد بن مخلد بغير واسطة .

                                                                                                                                                                                                        وقوله في المتن : " قد أحدثا " أي فعلا أمرا فاحشا ، وقوله : " أحدثوا " أي ابتكروا ، وقوله : " تحميم الوجه " أي يصب عليه ماء حار مخلوط بالرماد والمراد تسخيم الوجه بالحميم وهو الفحم وقوله : " والتجبيه " بفتح المثناة وسكون الجيم وكسر الموحدة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة ثم هاء أصلية من جبهت الرجل إذا قابلته بما يكره من الإغلاظ في القول أو [ ص: 132 ] الفعل ؛ قاله ثابت في " الدلائل " وسبقه الحربي ، وقال غيره : هو بوزن تذكرة ومعناه الإركاب منكوسا .

                                                                                                                                                                                                        وقال عياض : فسر التجبيه في الحديث بأنهما يجلدان ويحمم وجههما ويحملان على دابة مخالفا بين وجوههما ، قال الحربي : كذا فسره الزهري ، قلت : غلط من ضبطه هنا بالنون بدل الموحدة ثم فسره بأن يحمل الزانيان على بعير أو حمار ويخالف بين وجوههما والمعتمد ما قال أبو عبيدة ، والتجبيه أن يضع اليدين على الركبتين وهو قائم فيصير كالراكع وكذا أن ينكب على وجهه باركا كالساجد .

                                                                                                                                                                                                        وقال الفارابي : جب بفتح الجيم وتشديد الموحدة قام قيام الراكع وهو عريان ، والذي بالنون بعد الجيم إنما جاء في قوله : " فرأيت اليهودي أجنأ عليها " وقد ضبطت بالحاء المهملة ثم نون بلفظ الفعل الماضي أي أكب عليها يقال : أحنت المرأة على ولدها حنوا وحنت بمعنى ، وضبطت بالجيم والنون ؛ فعند الأصيلي بالهمز ، وعند أبي ذر بلا همز وهو بمعنى الذي بالمهملة .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن القطاع : جنأ على الشيء حنا ظهره عليه . وقال الأصمعي : أجنأ الترس جعله مجنأ أي محدوبا ، وقال عياض : الصحيح في هذا ما قاله أبو عبيدة يعني بالجيم والهمز والله أعلم . وسيأتي مزيد لهذا في شرح حديث اليهوديين في " باب أحكام الذمة " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية