الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 109 ] ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها قدم الحسن بن سهل بغداد نائبا عليها من جهة المأمون ووجه نوابه إلى بقية أعماله ، وتوجه طاهر إلى نيابة الجزيرة والشام ومصر وبلاد المغرب ، وسار هرثمة إلى نيابة خراسان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان قد خرج في أواخر السنة الماضية في ذي الحجة منها الحسن الهرش يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم ، فجبى الأموال ، وانتهب الأنعام ، وعاث في البلاد فسادا ، فبعث إليه المأمون جيشا ، فقتلوه في المحرم من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة ، يدعو إلى الرضا من آل محمد ، والعمل بالكتاب والسنة ، وهو الذي يقال له : ابن طباطبا . وكان القائم بأمره وتدبير الحرب بين يديه أبو السرايا السري بن منصور الشيباني ، وقد أصفق أهل الكوفة على وفاقه واجتمعوا عليه من كل فج عميق ، ووفدت إليه الأعراب من ضواحي الكوفة وكان النائب عليها من جهة الحسن بن سهل سليمان بن أبي جعفر المنصور ، فبعث الحسن بن سهل إلى سليمان يلومه ويؤنبه على ذلك ، وأرسل إليه بعشرة آلاف فارس [ ص: 110 ] صحبة زهير بن المسيب ، فتقاتلوا خارج الكوفة فهزموا زهيرا واستباحوا جيشه ونهبوا ما كان معه ، وذلك يوم الأربعاء سلخ جمادى الآخرة ، فلما كان الغد من الوقعة توفي ابن طباطبا أمير الشيعة فجأة يقال : إن أبا السرايا سمه ، وأقام مكانه غلاما أمرد يقال له : محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه . وانعزل زهير بمن بقي معه من أصحابه إلى قصر ابن هبيرة وأرسل الحسن بن سهل مع عبدوس بن محمد أربعة آلاف فارس مددا لزهير فاتقعوا وأبو السرايا ، فهزمهم أبو السرايا ولم يفلت من أصحاب عبدوس أحد وانتشر الطالبيون في تلك البلاد وضرب أبو السرايا الدراهم والدنانير في الكوفة ونقش عليها إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص الآية [ الصف : 4 ] ، ثم بعث أبو السرايا جيوشه إلى البصرة وواسط والمدائن ، فهزموا من فيها ودخلوها قهرا ، وقويت شوكتهم فاهتم لذلك الحسن بن سهل وكتب إلى هرثمة من خراسان يستدعيه لحرب أبي السرايا ، فتمنع ، ثم قدم عليه ، فخرج إلى أبي السرايا ، فهزم أبا السرايا غير مرة وطرده حتى رده إلى الكوفة ووثب الطالبيون على دور بني العباس بالكوفة فنهبوها ، وخربوا ضياعهم ، وفعلوا فعالا قبيحة وبعث أبو السرايا إلى أهل المدينة فاستجابوا له ، وبعث إلى أهل مكة حسين بن حسن الأفطس [ ص: 111 ] بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ليقيم لهم الموسم ، فتهيب أن يدخلها جهرة ، ولما سمع نائب مكة وهو داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بقدومه هرب من مكة طالبا أرض العراق ، وبقي الناس بلا إمام ، فسئل مؤذنها أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي أن يصلي بهم فأبى ، فقيل لقاضيها محمد بن عبد الرحمن المخزومي فامتنع ، وقال : لمن أدعو وقد هرب نواب البلاد . فقدم الناس رجلا من عرضهم ، فصلى بهم الظهر والعصر ، وبلغ الخبر إلى حسين بن الحسن الأفطس ، فدخل مكة في عشرة رهط قبل الغروب فطاف بالبيت ، ثم وقف بعرفة ليلا وصلى بالناس الفجر بمزدلفة ودفع بهم ، وأقام بقية المناسك في أيام منى للناس ، فدفع الناس من عرفة بغير إمام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية