الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 145 ) فصل : وصفتها أن يقصد بطهارته استباحة شيء لا يستباح إلا بها ، كالصلاة والطواف ومس المصحف ، وينوي رفع الحدث ، ومعناه إزالة المانع من كل فعل يفتقر إلى الطهارة . وهذا قول من وافقنا على اشتراط النية ، لا نعلم بينهم فيه اختلافا . فإن نوى بالطهارة ما لا تشرع له الطهارة ; كالتبرد والأكل والبيع والنكاح ونحوه ، ولم ينو الطهارة الشرعية ، لم يرتفع حدثه ; لأنه لم ينو الطهارة ، ولا ما يتضمن نيتها ، فلم يحصل له شيء ، كالذي لم يقصد شيئا .

                                                                                                                                            وإن نوى تجديد الطهارة ، فتبين أنه كان محدثا ، فهل تصح طهارته ؟ على روايتين : إحداهما تصح ; لأنه طهارة شرعية ، فينبغي أن يحصل له ما نواه ، وللخبر ، وقياسا على ما لو نوى رفع الحدث . والثانية لا تصح طهارته ; لأنه لم ينو رفع الحدث ولا ما تضمنه ، أشبه ما لو نوى التبرد . وإن نوى ما تشرع له الطهارة ولا تشترط ، كقراءة القرآن والأذان والنوم ، فهل يرتفع حدثه ؟ على وجهين : أصلهما ، إذا نوى تجديد الوضوء وهو محدث ، والأولى صحة طهارته ; لأنه نوى شيئا من ضرورة صحة الطهارة ، وهو الفضيلة الحاصلة لمن فعل ذلك وهو على طهارة ، فصحت طهارته ، كما لو نوى بها ما لا يباح إلا بها ; ولأنه نوى طهارة شرعية ، فصحت للخبر .

                                                                                                                                            فإن قيل : يبطل هذا بما لو نوى بطهارته ما لا تشرع له الطهارة . قلنا : إن نوى طهارة شرعية ، مثل إن قصد أن يأكل وهو متطهر طهارة شرعية ، أو قصد أن لا يزال على وضوء ، فهو كمسألتنا ، وتصح طهارته . وإن قصد بذلك نظافة أعضائه من وسخ أو طين أو غيره ، لم تصح طهارته ; لأنه لم يقصدها ، وإن نوى وضوءا مطلقا أو طهارة ، ففيه وجهان : أصحهما صحته ; لأن الوضوء والطهارة إنما ينصرف إطلاقهما إلى المشروع ، فيكون ناويا لوضوء شرعي .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا تصح طهارته في هذه المواضع كلها ; لأنه قصد ما يباح بدون الطهارة ، أشبه قاصد الأكل ، والطهارة تنقسم إلى ما هو مشروع وإلى غيره ، فلم تصح مع التردد . وإن نوى بطهارته رفع الحدث وتبريد أعضائه ، صحت [ ص: 80 ] طهارته ; لأن التبريد يحصل بدون النية ، فلم يؤثر هذا الاشتراك ، كما لو قصد بالصلاة الطاعة والخلاص من خصمه . وإن قصد الجنب بالغسل اللبث في المسجد ارتفع حدثه ; لأنه شرط لذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية