الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من مات وعليه نذر وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء فقال صلي عنها وقال ابن عباس نحوه

                                                                                                                                                                                                        6320 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه فأفتاه أن يقضيه عنها فكانت سنة بعد

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        " 9969 قوله باب من مات وعليه نذر ) أي هل يقضى عنه أو لا والذي ذكره في الباب يقتضي الأول لكن هل هو على سبيل الوجوب أو الندب خلاف يأتي بيانه

                                                                                                                                                                                                        قوله وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء ) يعني فماتت فقال صلي عنها وقال ابن عباس نحوه ) وصله مالك عن عبد الله بن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال مرة عن ابن عباس قال إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه ومن طريق عون بن عبد الله بن عتبة أن امرأة نذرت أن تعتكف عشرة أيام فماتت ولم تعتكف فقال ابن عباس اعتكف عن أمك وجاء عن ابن عمر وابن عباس خلاف ذلك فقال مالك في الموطأ إنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد وأخرج النسائي من طريق أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد أورده ابن عبد البر من طريقه موقوفا ثم قال والنقل في هذا عن ابن عباس مضطرب . قلت ويمكن الجمع بحمل الإثبات في حق من مات والنفي في حق الحي ثم وجدت عنه ما يدل على تخصيصه في حق الميت بما إذا مات وعليه شيء واجب فعند ابن أبي شيبة بسند صحيح سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه نذر فقال يصام عنه النذر وقال ابن المنير : يحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله : صلي عنها " العمل بقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث فعد منها الولد لأن الولد من كسبه فأعماله الصالحة مكتوبة للوالد من غير أن ينقص من أجره فمعنى " صلي عنها " أن صلاتك مكتتبة لها ولو كنت إنما تنوي عن نفسك كذا قال ولا يخفى تكلفه وحاصل كلامه تخصيص الجواز بالولد وإلى ذلك جنح ابن وهب وأبو مصعب من أصحاب [ ص: 593 ] الإمام مالك وفيه تعقب على ابن بطال حيث نقل الإجماع أنه لا يصلي أحد عن أحد لا فرضا ولا سنة لا عن حي ولا عن ميت ونقل عن المهلب أن ذلك لو جاز لجاز في جميع العبادات البدنية ولكان الشارع أحق بذلك أن يفعله عن أبويه ولما نهي عن الاستغفار لعمه ولبطل معنى قوله ولا تكسب كل نفس إلا عليها انتهى وجميع ما قال لا يخفى وجه تعقبه خصوصا ما ذكره في حق الشارع وأما الآية فعمومها مخصوص اتفاقا والله أعلم

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : ذكر الكرماني أنه وقع في بعض النسخ " قال صلي عليها " وجه بأن " على " بمعنى " عن " على رأي قال أو الضمير راجع إلى قباء

                                                                                                                                                                                                        " 9970 ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى في نذر كان على أمه وقد تقدم شرحه في كتاب الوصايا وذكرت من قال فيه عن سعد بن عبادة فجعله من مسنده

                                                                                                                                                                                                        قوله في آخر الحديث في قصة سعد بن عبادة فكانت سنة بعد ) أي صار قضاء الوارث ما على المورث طريقة شرعية أعم من أن يكون وجوبا أو ندبا ولم أر هذه الزيادة في غير رواية شعيب عن الزهري فقد أخرج الحديث الشيخان من رواية مالك والليث وأخرجه مسلم أيضا من رواية ابن عيينة ويونس ومعمر وبكر بن وائل والنسائي من رواية الأوزاعي والإسماعيلي من رواية موسى بن عقبة وابن أبي عتيق وصالح بن كيسان كلهم عن الزهري بدونها وأظنها من كلام الزهري ويحتمل من شيخه وفيها تعقب على ما نقل عن مالك لا يحج أحد عن أحد واحتج بأنه لم يبلغه عن أحد من أهل دار الهجرة منذ زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حج عن أحد ولا أمر به ولا أذن فيه فيقال لمن قلد قد بلغ ذلك غيره ; وهذا الزهري معدود في فقهاء أهل المدينة وكان شيخه في هذا الحديث وقد استدل بهذه الزيادة ابن حزم للظاهرية ومن وافقهم في أن الوارث يلزمه قضاء النذر عن مورثه في جميع الحالات ، قال وقد وقع نظير ذلك في حديث الزهري عن سهيل في اللعان لما فارقها الرجل قبل أن يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بفراقها قال فكانت سنة . واختلف في تعيين نذر أم سعد فقيل كان صوما لما رواه مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس جاء رجل فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ قال نعم الحديث وتعقب بأنه لم يتعين أن الرجل المذكور هو سعد بن عبادة وقيل كان عتقا قاله ابن عبد البر واستدل بما أخرجه من طريق القاسم بن محمد أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها ؟ قال نعم وتعقب بأنه مع إرساله ليس فيه التصريح بأنها كانت نذرت ذلك وقيل كان نذرها صدقة وقد ذكرت دليله من الموطأ وغيره من وجه آخر عن سعد بن عبادة أن سعدا خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل لأمه أوص ، قالت المال مال سعد ; فتوفيت قبل أن يقدم فقال يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال نعم وعند أبي داود من وجه آخر نحوه وزاد " فأي الصدقة أفضل ؟ قال الماء " الحديث وليس في شيء من ذلك التصريح بأنها نذرت ذلك قال عياض : والذي يظهر أنه كان نذرها في المال أو مبهما قلت بل ظاهر حديث الباب أنه كان معينا عند سعد والله أعلم وفي الحديث قضاء الحقوق الواجبة عن الميت وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالي أنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث وشرط المالكية والحنفية أن يوصي بذلك مطلقا واستدل للجمهور بقصة أم سعد هذه وقول الزهري إنها صارت سنة بعد ولكن يمكن أن يكون سعد قضاه من تركتها أو تبرع به وفيه استفتاء الأعلم ، وفيه فضل بر الوالدين بعد الوفاة والتوصل إلى براءة ما في ذمتهم وقد اختلف أهل الأصول في الأمر بعد الاستئذان هل يكون كالأمر بعد الحظر أو لا ؟ فرجح [ ص: 594 ] صاحب " المحصول " أنه مثله والراجح عند غيره أنه للإباحة كما رجح جماعة في الأمر بعد الحظر أنه للاستحباب




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية