الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 8 ] باب مناقب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الفصل الأول

6087 - عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ) . متفق عليه .

التالي السابق


[ 8 ] باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

قال أحمد ، والنسائي وغيرهما : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي - كرم الله وجهه - وكان السبب في ذلك أنه تأخر ، ووقع الاختلاف في زمانه وكثر محاربوه والخارجون عليه ، فكان ذلك سببا لانتشار مناقبه لكثرة من كان يرويها من الصحابة ردا على من خالفه ، وإلا فالثلاثة قبله لهم من المناقب ما يوازيه ويزيد عليه ، كذا ذكره السيوطي ، وقد جاء في الصحيح من شعره - رضي الله عنه :


أنا الذي سمتني أمي حيدره



وحيدرة اسم الأسد ، وكانت فاطمة أمه لما ولدته سمته باسم أبيها ، فلما قدم أبو طالب كره الاسم فسماه عليا ، وعن سهل بن سعد قال : استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال : فدعا سهل بن سعد ، فأمره أن يشتم عليا فأبى فقال : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا تراب ، فقال سهل : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب إنه كان يفرح به إذا دعي به فقال له : أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب ؟ قال : جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان : " انظر أين هو ؟ " فقال : يا رسول الله ، هو في المسجد راقد ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه ، وأصابه تراب ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسحه عنه ويقول : " قم أبا تراب قم أبا تراب " أخرجه الشيخان . وفي الرياض عن أبي سعيد التيمي قال : كنا نبيع الثياب على عواتقنا ونحن غلمان في السوق ، فإذا رأينا عليا قد أقبل قلنا : بزرك اشكم قال علي : ما يقولون ؟ قال : يقولون عظيم البطن . قال : أجل أعلاه علم وأسفله طعام .

وعن أبي عبيد قال : رأيت علي بن أبي طالب يتوضأ ، فحسر العمامة عن رأسه ، فرأيت رأسه مثل راحتي عليه مثل خط الأصابع من الشعر . أخرجه ابن الضحاك وعن قيس بن عباد قال : قدمت المدينة أطلب العلم ، فرأيت رجلا عليه بردان ، وله ضفيرتان ، قد وضع يده على عاتق عمر فقلت : من هذا ؟ قالوا : علي . أخرجه ابن الضحاك أيضا ، ولا تضاد بينهما إذ يكون الشعر انحسر عن وسط رأسه ، وكان في جوانبه شعر مسترسل جمع فضفر باثنتين .

الفصل الأول

6087 - ( عن سعد بن أبي وقاص ) ، أحد العشرة المبشرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ) ، يعني في الآخرة ، وقرب المرتبة ، والمظاهرة به في أمر الدين كذا قاله شارح من علمائنا . وقال التوربشتي : كان هذا القول من النبي - صلى الله عليه وسلم - مخرجه إلى غزوة تبوك ، وقد خلف عليا - رضي الله عنه - على أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون وقالوا : ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه ، فلما سمع به علي أخذ سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بالجرف ، فقال : يا رسول الله زعم المنافقون كذا فقال : " كذبوا إنما خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى " تأول قول الله سبحانه وتعالى : وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي . والمستدل بهذا الحديث على أن الخلافة كانت له بعد رسول الله صلى [ ص: 3932 ] الله عليه وسلم زائغ عن منهج الصواب ، فإن الخلافة في الأهل في حياته لا تقتضي الخلافة في الأمة بعد مماته ، والمقايسة التي تمسكوا بها تنتقض عليهم بموت هارون قبل موسى - عليهما السلام - وإنما يستدل بهذا الحديث على قرب منزلته واختصاصه بالمؤاخاة من قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي شرح مسلم قال القاضي عياض : هذا مما تعلقت به الروافض وسائر فرق الشيعة في أن الخلافة كانت حقا لعلي - رضي الله عنه - وأنه لم يقم في طلب حقه ، وهؤلاء أسخف عقلا وأفسد مذهبا من أن يذكر قولهم ، ولا شك في تكفير هؤلاء لأن من كفر الأمة كلها والصدر الأول خصوصا ، فقد أبطل الشريعة وهدم الإسلام ، ولا حجة في الحديث لأحد منهم ، بل فيه إثبات فضيلة لعلي ، ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره ، وليس فيه دلالة على استخلافه بعده ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال هذا حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ، ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى ; لأنه توفي قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة ، وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة .

وقال الطيبي : وتحريره من جهة علم المعاني أن قوله : " مني " : خبر للمبتدأ ، ومن : اتصالية ، ومتعلق الخبر خاص والباء زائدة كما في قوله تعالى : فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به أي آمنوا إيمانا مثل إيمانكم يعني أنت متصل بي ونازل مني منزلة هارون من موسى ، وفيه تشبيه ، ووجه المشبه منهم لم يفهم أنه - رضي الله عنه - فيما شبهه به - صلى الله عليه وسلم - فبين بقوله : ( " إلا أنه لا نبي بعدي " ) أن اتصاله به ليس من جهة النبوة ، فبقي الاتصال من جهة الخلافة لأنها تلي النبوة في المرتبة ثم إما أن يكون في حياته أو بعد مماته من أن يكون بعد مماته لأن هارون - عليه السلام - مات قبل موسى ، فتعين أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك انتهى .

وخلاصته أن الخلافة الجزئية في حياته لا تدل على الخلافة الكلية بعد مماته ، لا سيما وقد عزل عن تلك الخلافة برجوعه - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة قال بعض العلماء في قوله : " إلا أنه لا نبي بعدي " دليل على أن عيسى ابن مريم إذا نزل حكما من حكام هذه الأمة يدعو بشريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا ينزل نبيا أقول : ولا منافاة بين أن يكون نبيا ويكون متابعا لنبينا - صلى الله عليه وسلم - في بيان أحكام شريعته ، وإتقان طريقته ، ولو بالوحي إليه كما يشير إليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي " أي مع وصف النبوة والرسالة ، وإلا فمع سلبهما لا يفيد زيادة المزية ، فالمعنى أنه لا يحدث بعده نبي لأنه خاتم النبيين السابقين ، وفيه إيماء إلى أنه لو كان بعده نبي لكان عليا ، وهو لا ينافي ما ورد في حق عمر صريحا ; لأن الحكم فرضي وتقديري ، فكأنه قال : لو تصور بعدي نبي لكان جماعة من أصحابي أنبياء ، ولكن لا نبي بعدي ، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لو عاش إبراهيم لكان نبيا " وأما حديث : " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " فقد صرح الحفاظ كالزركشي والعسقلاني والدميري والسيوطي أنه لا أصل له ، ثم رأيت بعضهم ذكروا زيادة ولو كان لكنته ، لكن قال الخطيب : هذه الزيادة لا نعلم من رواها إلا ابن الأزهر ، وكان يضع . وقال ابن النجار : المتن صحيح والزيادة غير محفوظة والله أعلم بواضعها . ( متفق عليه ) .

وفي الرياض ، أخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي ، وأبو حاتم ولم يقولا : إلا أنه لا نبي بعدي ، وعنه قال : خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ قال : " أما ترضى بأن تكون مني منزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " . أخرجه أحمد ، ومسلم ، وأبو حاتم .

وعن أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللهم إني أقول كما قال أخي موسى ، اللهم اجعل لي وزيرا من أهلي أخي عليا اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا " أخرجه أحمد في المناقب .

وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي في غزوة تبوك : " أما ترضى أن يكون لك من الأجر مثل ما لي ، ولك من المغنم ما لي " وأخرجه الخلعي . وروى ابن ماجه - وأبو بكر الطبري في جزئه عن أبي سعيد ولفظه : " علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وروى الخطيب عن البراء ، والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس بلفظ : " علي مني بمنزلة رأسي من بدني " .

[ ص: 3933 ]



الخدمات العلمية