الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
484 [ ص: 215 ] مالك عن عبيد الله بن عبد الرحمن - حديث واحد

وهو عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب بن عمير مدني ثقة .

مالك ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن ، عن عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب أنه قال : سمعت أبا هريرة يقول : أقبلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجبت ، فسألته : ماذا يا رسول الله ؟ فقال : الجنة ، قال أبو هريرة : فأردت أن أذهب إليه فأبشره ، ثم فرقت أن يفوتني الغذاء مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآثرت الغذاء ، ثم ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب .

التالي السابق


هكذا قال يحيى في هذا الحديث : مالك ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن ، وتابعه أكثر الرواة ، منهم : ابن وهب ، وابن القاسم ، وابن بكير ، وأبو المصعب ، وعبد الله بن يوسف ، وقال فيه القعنبي ، ومطرف : مالك ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن عبيد بن حنين ، والصواب ما قاله يحيى ومن تابعه ، وقد غلط في هذا أحمد بن خالد غلطا بينا ، فأدخل هذا الحديث في [ ص: 216 ] باب أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري ، وإنما دخل عليه الغلط فيه من رواية القعنبي ، وقوله فيه : عبد الله ، فتوهم أن قول يحيى : عبيد الله غلط ، وظنه أبا طوالة فليس كما ظن ، وهو عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب بن عمير مدني ، ثقة ، معروف عند أهل الحديث هكذا ، وكذلك هو عبيد الله في نسخة ابن القاسم ، وابن وهب ، وأبي المصعب ، ومصعب الزبيري ، وجماعتهم ، وهو الصواب لا شك فيه ، وقد رأيته في بعض الروايات عن القعنبي : عبيد الله بن عبد الرحمن ، ولكن علي بن عبد العزيز ، وأبا داود قالا فيه عن القعنبي : عبد الله ، وكذلك رواه القعنبي - والله أعلم - ، وقد تابعه مطرف فيما رأينا .

وقد حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن عبد الله القاضي ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا الرمادي ، حدثنا ابن عثمة ، حدثنا مالك ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن معمر ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال : وجبت ، قيل : يا رسول الله ما وجبت ؟ قال : وجبت له الجنة . هكذا قال فيه ابن معمر ، جعله أبا طوالة ، وذلك خطأ وغلط لا أدري ممن أتى ، والغلط والوهم لا يسلم منه أحد ، وأما عبيد بن حنين ، فهكذا قال فيه مالك : عن عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب .

وقال فيه محمد بن إسحاق : عبيد بن حنين مولى الحكم بن أبي العاصي ، وكذلك قال فيه الزبير بن بكار ، وأما مصعب فيدل قوله على ما قاله مالك - والله أعلم - .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : أخبرنا مصعب بن عبد الله قال : عبيد بن حنين مولى لبابة ابنة أبي لبابة بن عبد المنذر أم عبد الرحمن بن زيد ، يعني ابن الخطاب [ ص: 217 ] فجر ولاءه ، وهم من سبي عين التمر ، سباهم خالد بن الوليد في زمن أبي بكر الصديق ، انتسبوا في العرب ، وكان عبيد بن حنين يسكن الكوفة ، وتزوج بها امرأة من بني معيص بن عامر بن لؤي من قريش ، فأنكر ذلك مصعب بن الزبير ، وهو أمير العراق يومئذ ، وطلبه فتغيب منه ، فهدم داره فلحق بعبد الله بن الزبير ، وقال :


هذا مقام مطرد هدمت مساكنه ودوره قذفت عليه
وشاته ظلما فعاقبه أميره ولقد قطعت الخرق بعد
الخرق معتسقا أسيره حتى أتيت خليفة الرحمن
ممهودا سريره حييته بتحية في مجلس
حضرت صقوره والخصم عند فنائه
من غيظه تغلي قدوره

فكتب له عبد الله بن الزبير إلى مصعب أن يبني داره ، ويخلي بينه وبين أهله .

قال مصعب : وعبيد بن حنين روى عن أبي هريرة ، وتوفي بالمدينة سنة خمس ومائة .

وقال الطبري وغيره : عبيد بن حنين كان ثقة وليس بكثير الحديث ، قال الطبري : هو فليح بن سليمان ، وهو فليح بن سليمان بن أبي المغيرة بن حنين قال : وقيل : إنهم من سبي عين التمر الذين بعث بهم خالد بن الوليد إلى المدينة في خلافة أبي بكر الصديق .

قال أبو عمر :

قد خولف الطبري في هذا ، قال الزبير بن بكار : فليح بن سليمان مولى [ ص: 218 ] أسلم ، وقال الواقدي : توفي عبيد بن حنين بالمدينة سنة خمس ومائة ، وهو ابن خمس وتسعين .

قال أبو عمر :

ليس في هذا الحديث معنى يوجب القول ، وهو وإن كان خصوصا لذلك الرجل فإن الرجاء عموم ورحمة الله واسعة ، ورضاه وعفوه ورحمته قريب من المحسنين .




الخدمات العلمية