الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثامن في الرد وذوي الأرحام

                                                                                                                                                                        أصل المذهب فيهما وما اختاره الأصحاب لضرورة فساد بيت المال ، ذكرناه في أول الكتاب . فإذا قلنا بالرد ، فمقصود الفتوى منه أنه إن لم يكن ممن يرد عليه من ذوي الفروض إلا صنف ، فإن كان شخصا واحدا ، دفع إليه الفرض ، والباقي بالرد . وإن كانوا جماعة ، فالباقي بينهم بالسوية . وإن اجتمع صنفان فأكثر ، رد الفاضل عليهم بنسبة سهامهم . وأما الحساب وتصحيح المسائل ، فيذكر - إن شاء الله تعالى - في باب الحساب .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        وأما توريث ذوي الأرحام ، فالذاهبون إليه منا اختلفوا في كيفيته ، فأخذ بعضهم بمذهب أهل التنزيل ، وبه قطع ابن كج وصاحب ( المهذب ) والإمام ، لأن القائلين ممن ورثهم من الصحابة فمن بعدهم - رضي الله عنهم - أكثر ، ومنهم من أخذ بمذهب أهل القرابة ، وهو مذهب أبي حنيفة - رضي الله عنه - ، وبه قطع البغوي والمتولي ، وسمي الأولون : أهل التنزيل ، لتنزيلهم كل فرع منزلة أصله ، وسمي الآخرون : أهل القرابة ، لأنهم يورثون الأقرب فالأقرب كالعصبات .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح الأقيس : مذهب أهل التنزيل . وللقائلين بتوريث ذوي الأرحام مذاهب غير هذين ، لكن الذي اختاره أصحابنا منها هذان . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 46 ] والمذهبان متفقان على أن من انفرد من ذوي الأرحام ، يحوز جميع المال ذكرا كان أو أنثى ، وإنما يظهر الاختلاف عند اجتماعهم . وبيان ذلك في طرفين [ الطرف ] الأول : فيما إذا انفرد صنف منهم ، فمن الأصناف : أولاد البنات [ وبنات ابنة الابن ، فأهل التنزيل ينزلونهم منزلة البنات ] وبنات الابن ، ويقدمون منهم من سبق إلى الوارث ، فإن استووا في السبق إلى الوارث ، قدر كأن الميت خلف من يدلون [ به ] من الورثة واحدا كان أو جماعة ، [ ثم ] يجعل نصيب كل واحد للمدلين به على حسب ميراثهم لو كان هو الميت ، وقال أهل القرابة : إن اختلفت درجاتهم ، فالأقرب إلى الميت أولى ذكرا كان أو أنثى ، فتقدم بنت البنت على بنت بنت البنت ، وعلى ابن بنت البنت . وإن لم تختلف ، فإن كان فيهم من يدلي بوارث ، فهو أولى ، فتقدم بنت بنت الابن على بنت بنت البنت . هذا إذا أدلى بنفسه إلى الوارث ، أما إذا أدلى بواسطة ، كبنت [ بنت ] بنت الابن مع بنت بنت بنت البنت ، فلأصحاب أبي حنيفة - رضي الله عنه - ، فيه اختلاف . والصحيح عندهم : أن لا ترجيح .

                                                                                                                                                                        ومقتضى ما ذكره أصحابنا ، الترجيح ، كما لو أدلى بنفسه . وإن استووا في الإدلاء ، ورثوا جميعا . وكيف يرثون ؟ اختلف فيه أبو يوسف ومحمد ، فقال أبو يوسف : يعتبرون بأنفسهم . فإن كانوا ذكورا أو إناثا ، سوي بينهم . فإن اختلطوا ، فللذكر مثل حظ الأنثيين . وقال محمد : ينظر في المتوسطين بينهم وبين الميت من ذوي الأرحام . فإن اتفقوا ذكورة وأنوثة ، فالجواب كذلك . وإن اختلفوا ، فإما أن يكون الاختلاف في بطن واحد ، وإما في أكثر . فإن كان في بطن ، قسمنا المال بين بطن الاختلاف ، وجعلنا كل ذكر [ ص: 47 ] بعدد أولاده الذين يقسم ميراثهم ذكورا ، وكل أنثى بعدد أولادها الذين يقسم ميراثهم إناثا ، ويقسم المال بين الذكور والإناث الحاصلين من هذا التقدير للذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم ما أصاب كل واحد من الصنفين ، يقسم بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين . وإن كان الاختلاف في أكثر من بطن ، قسم المال بين أعلى بطون الاختلاف كما ذكرنا ، ثم ما أصاب كل واحد من الصنفين ، قسم على أولاده الذين فيهم الاختلاف على النحو المذكور في البطن الأول ، [ وهكذا ] يفعل حتى تنتهي القسمة إلى الأحياء . قال الناقلون : كل واحد من أبي يوسف ومحمد ، يدعي أن قوله قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - ، والأكثرون صدقوا محمدا ، لكن متأخروهم يفتون بقول أبي يوسف ، وكذلك قال البغوي والمتولي : إنه أظهر الروايتين . والمذهبان متفقان على تفضيل الذكر على الأنثى في القسمة . وفي " التتمة " وجه آخر : أنه يسوى بين الذكر والأنثى ، قال : وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية