الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 378 ] كتاب الإجماع وفيه فصول . الفصل الأول : وفيه عشرة مباحث في النظر في مسماه لغة واصطلاحا ، ثم في إمكانه في نفسه ، ثم في جواز العلم به ، وجواز نقله ، ثم في كونه حجة ، ثم بماذا ثبتت حجيته ، ثم في كونه قطعيا ، ثم في استحالة الخطأ فيه ، ثم في وجوب العمل به ، ثم في استصحابه بعد ثبوته ، ثم في كونه من خصائص هذه الأمة ، فهذه عشرة مقاصد .

                                                      المبحث الأول [ في مسماه لغة واصطلاحا ] هو لغة يطلق بمعنيين : أحدهما : العزم على الشيء والإمضاء ، ومنه قوله تعالى : { فأجمعوا أمركم } أي اعزموا ، وقوله عليه السلام : { لا [ ص: 379 ] صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل } ، ونقض ابن الفارض المعتزلي هذا بأن إجماع الأمة يتعدى بعلى ، والإجماع بمعنى العزيمة وقطع الرواية لا يتعدى بعلى . قلت : حكى ابن فارس في المقاييس : أجمعت على الأمر ، إجماعا وأجمعته . نعم ، تعديته بنفسه أفصح . والثاني : الاتفاق ، ومنه أجمع القوم : إذا صاروا ذوي جمع . قال الفارسي : كما يقال : ألبن وأتمر ، إذا صار ذا لبن وتمر . وحكى عبد الوهاب في " الملخص " عن قوم منع كونه بمعنى الإجماع كما ظنه ظانون لتغايرهما ، إذ يصح من الواحد أن يقول : أجمعت رأيي على كذا ، أي عزمت عليه ، ولا يصح الإجماع إلا من اثنين . والصحيح هو الأول . ثم قال الغزالي : هو مشترك بينهما . وقال القاضي : العزم يرجع إلى الاتفاق ; لأن من اتفق على شيء فقد عزم عليه ، وقال ابن برهان ، وابن السمعاني : الأول أشبه باللغة ، والثاني : أشبه بالشرع . قالا : وتظهر فائدتهما في أن الإجماع من الواحد هل يصح ؟ فعلى المعنى الأول لا يصح إلا من جماعة ، وعلى المعنى الثاني يصح الإجماع من الواحد . وأما في الاصطلاح : فهو اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في [ ص: 380 ] حادثة على أمر من الأمور في عصر من الأعصار . فخرج اتفاق العوام ، فلا عبرة بوفاقهم ولا خلافهم ، ويخرج أيضا اتفاق بعض المجتهدين . وبالإضافة إلى أمة محمد خرج اتفاق الأمم السابقة ، وإن قيل بأنه حجة على رأي ، لكن الكلام في الإجماع الذي هو حجة . وقولنا : بعد وفاته ، قيد لا بد منه على رأيهم ، فإن الإجماع لا ينعقد في زمانه عليه السلام كما سنذكره . وخرج بالحادثة انعقاد الإجماع على الحكم الثابت بالنص والعمل به ، وقولنا : على أمر من الأمور ، يتناول الشرعيات والعقليات والعرفيات واللغويات . وقولنا : في عصر من الأعصار ; ليرفع وهم من يتوهم أن المراد بالمجتهدين من يوجد إلى يوم القيامة . وهذا التوهم باطل ، فإنه يؤدي إلى عدم تصور الإجماع ، والمراد بالعصر منا : من كان من أهل الاجتهاد في الوقت الذي حدثت فيه المسألة ، وظهر الكلام فيه . فهو من أهل ذلك العصر ، ومن بلغ هذا بعد حدوثها فليس من أهل ذلك العصر .

                                                      هكذا ذكره الإمام أبو محمد القاسم الزجاج في كتابه : البيان عن أصول الفقه " وهو من أصحاب أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا . [ ص: 381 ] واعلم أن أصل هذا التعريف أشار إليه الشافعي في الرسالة " بقوله : وحده في موضع آخر بهذا المعنى ، فقال هم الذين لا يجوز عليهم أن يجهلوا حكم الله .

                                                      تنبيه [ العبدري يرى أن التعريف السابق غير جامع ] قال العبدري : هكذا رسم الأصوليون الإجماع ، وفيه نظر ، فإنه لفظ مشترك ، يقال على ما هو إجماع على العمل يستند الحكم ، أي بدليله من الكتاب والسنة ، ويقال : ما هو إجماع على استنباط الحكم من الكتاب والسنة بالاجتهاد والقياس ، والذي هو إجماع على العمل بمستند الحكم ينقسم إلى إجماع نقل مستنده إلى المجتهدين ، وإلى إجماع درس مستنده فلم ينقل إليهم . فهذه ثلاثة معان متباينة ، فيحتاج إلى ثلاثة رسوم .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية