الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون

هذه الجملة معطوفة على ما قبلها من أخبار أهل النفاق . وضمائر الجمع عائدة إليهم ، قصد منها إبطال ما يموهون به على المسلمين من تأكيد كونهم مؤمنين بالقسم على أنهم من المؤمنين .

فمعنى " إنهم لمنكم " أي بعض من المخاطبين ولما كان المخاطبون مؤمنين ، كان التبعيض على اعتبار اتصافهم بالإيمان ، بقرينة القسم لأنهم توجسوا شك المؤمنين في أنهم مثلهم .

[ ص: 230 ] والفرق : الخوف الشديد .

واختيار صيغة المضارع في قوله : ( ويحلفون ) وقوله : ( يفرقون ) للدلالة على التجدد وأن ذلك دأبهم .

ومقتضى الاستدراك : أن يكون المستدرك أنهم ليسوا منكم ، أي كافرون ، فحذف المستدرك استغناء بأداة الاستدراك ، وذكر ما هو كالجواب عن ظاهر حالهم من الإيمان بأنه تظاهر باطل وبأن الذي دعاهم إلى التظاهر بالإيمان في حال كفرهم : هو أنهم يفرقون من المؤمنين ، فحصل إيجاز بديع في الكلام إذ استغني بالمذكور عن جملتين محذوفتين .

وحذف متعلق يفرقون لظهوره ، أي يخافون من عداوة المسلمين لهم وقتالهم إياهم أو إخراجهم ، كما قال - تعالى : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا .

وقوله : وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون كلام موجه لصلاحيته لأن يكون معناه أيضا وما هم منكم ولكنهم قوم متصفون بصفة الجبن ، والمؤمنون من صفتهم الشجاعة والعزة ، فالذين يفرقون لا يكونون من المؤمنين ، وفي معنى هذا قوله - تعالى : قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح وقول مساور بن هند في ذم بني أسد :

زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف     أولئك أومنوا جوعا وخوفا
وقد جاعت بنو أسد وخافوا

فيكون توجيها بالثناء على المؤمنين ، وربما كانت الآية المذكورة عقبها أوفق بهذا المعنى . وفي هذه الآية دلالة على أن اختلاف الخلق مانع من المواصلة والموافقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية