الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
413 [ ص: 50 ] حديث حاد وخمسون لأبي الزناد

مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم ( وهم ) يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون .

التالي السابق


في هذا الحديث شهود الملائكة للصلوات ، والأظهر أن ذلك في الجماعات ، وقد تحتمل الجماعات وغيرها ، ومعنى " يتعاقبون " تأتي طائفة بإثر طائفة وبعدها طائفة ، وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو بين رجلين مرة هذا ، ومرة هذا ، ومنه قولهم : الأمير يعقب البعوث ، أي : يرسل هؤلاء كذا شهرا أو أشهرا ، وهؤلاء شهرا أو أشهرا ، ثم يردهم ، ويعقبهم بآخرين ، فهذا هو التعاقب ، ومعنى هذا الحديث أن ملائكة النهار تنزل في صلاة الصبح فيحصون على بني آدم ، ويعرج الذين باتوا فيهم ذلك الوقت أي يصعدون ، وكل من صعد في شيء فقد عرج ، ولذلك قيل للدرج : المعارج ، فإذا كانت صلاة العصر نزلت ملائكة الليل فأحصوا على بني آدم ، وعرجت ملائكة النهار ، يتعاقبون هكذا أبدا والله أعلم .

[ ص: 51 ] وفي هذا الحديث أنهم يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، وهو أكمل معنى من الحديث الذي روي أنهم يجتمعون في صلاة الفجر خاصة ، وأظن من مال إلى هذه الرواية احتج بقول الله عز وجل ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) .

ومعنى قرآن الفجر : القراءة في صلاة الفجر ; لأن أهل العلم قالوا في تأويل هذه الآية : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، وليس في هذا دفع لاجتماعهم في صلاة العصر ; لأن المسكوت عنه قد يكون في معنى المذكور سواء ، ويكون بخلافه ، وهذا باب من الأصول قد بيناه في غير هذا الموضع .

ذكر بقي بن مخلد قال : حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا جرير عن منصور ، عن مجاهد في قوله تعالى ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : صلاة الفجر يجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار .

وذكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة ، عن زكرياء ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق مثله .

وذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن أبي عبيدة في قوله ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : يشهده حرس الليل وحرس النهار من الملائكة في صلاة الفجر .

وذكر بقي قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : تدارك [ ص: 52 ] الحرسان اقرءوا إن شئتم ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : تنزل ملائكة النهار ، وتصعد ملائكة الليل .

قال أبو عمر :

قد يحتمل أن يكون ذكر قرآن الفجر من أجل الجهر لأن العصر لا قراءة فيها تظهر ، والله أعلم . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، وهذا حديث مسند صحيح ثابت ، وهو أولى من آراء الرجال ، وألزم في الحجة لمن قال به ، والله المستعان .




الخدمات العلمية