الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين

هذه الجملة واقعة موقع البيان لجملة حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين . وموقع التعليل لجملة لم أذنت لهم أو هي استئناف بياني لما تثيره جملة حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين والاعتبارات متقاربة ومآلها واحد .

والمعنى : أن شأن المؤمنين الذين استنفروا أن لا يستأذنوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - في التخلف عن الجهاد ، فأما أهل الأعذار : كالعمي ، فهم لا يستنفرهم النبيء - صلى الله عليه وسلم ، وأما الذين تخلفوا من المؤمنين فقد تخلفوا ولم يستأذنوا في التخلف ; لأنهم كانوا على نية اللحاق بالجيش بعد خروجه .

والاستئذان طلب الإذن ، أي في إباحة عمل وترك ضده ; لأن شأن الإباحة أن تقتضي التخيير بين أحد أمرين متضادين .

والاستئذان يعدى بـ ( في ) . فقوله : " أن يجاهدوا " في محل جر بـ ( في ) المحذوفة ، وحذف الجار مع أن مطرد شائع .

ولما كان الاستئذان يستلزم شيئين متضادين ، كما قلنا ، جاز أن يقال : استأذنت في كذا واستأذنت في ترك كذا . وإنما يذكر غالبا مع فعل الاستئذان الأمر الذي يرغب المستأذن الإذن فيه دون ضده وإن كان ذكر كليهما صحيحا .

[ ص: 212 ] ولما كان شأن المؤمنين الرغبة في الجهاد كان المذكور مع استئذان المؤمنين ، في الآية أن يجاهدوا دون أن لا يجاهدوا ، إذ لا يليق بالمؤمنين الاستئذان في ترك الجهاد ، فإذا انتفى أن يستأذنوا في أن يجاهدوا ثبت أنهم يجاهدون دون استئذان ، وهذا من لطائف بلاغة هذه الآية التي لم يعرج عليها المفسرون وتكلفوا في إقامة نظم الآية .

وجملة والله عليم بالمتقين معترضة لفائدة التنبيه على أن الله مطلع على أسرار المؤمنين إذ هم المراد بالمتقين كما تقدم في قوله في سورة البقرة هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب

التالي السابق


الخدمات العلمية