الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في ذوي الأرحام

                                                                                                                                                                        هم كل قريب يخرج عن المذكورين في الفصل السابق . وإن شئت قلت : كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة . وأما تفصيلهم ، فهم عشرة أصناف : أبو الأم ، وكل جد وجدة ساقطين ، وأولاد البنات ، وبنات الإخوة ، وأولاد الأخوات ، [ ص: 6 ] وبنو الإخوة للأم ، والعم للأم ، وبنات الأعمام ، والعمات ، والأخوال ، والخالات . ومنهم من يعدهم أحد عشر ، ويفصل الجد عن الجدة . ومنهم من يزيد على ذلك ، والمقصود لا يختلف ، فهؤلاء لا يرثون بالرحم شيئا على الصحيح . وقال المزني ، وابن سريج : إن لم يخلف الميت إلا ذا فرض لا يستغرق رد الباقي عليه ، إلا الزوج والزوجة فلا رد عليهما . فإن لم يخلف ذا فرض ولا عصبة ، ورث ذوو الأرحام .

                                                                                                                                                                        وقولنا : إن الصحيح أنهم لا يرثون ولا يرد ، هو فيما إذا استقام أمر بيت المال ، بأن ولي إمام عادل . أما إذا لم يكن إمام ، أو لم يكن مستجمعا لشروط الإمامة ، ففي مال من لا عصبة له ولا ذا فرض مستغرق وجهان : أصحهما عند أبي حامد وصاحب ( المهذب ) : لا يصرف إلى الرد ، ولا إلى ذوي الأرحام ؛ لأنه للمسلمين ، فلا يسقط بفوات نائبهم . والثاني : أنه يرد ويصرف إلى ذوي الأرحام ؛ لأن المال مصروف إليهم أو إلى بيت المال بالإجماع . فإذا تعذر أحدهما تعين الآخر ، وهذا اختيار ابن كج ، وبه أفتى أكابر المتأخرين .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الثاني ، هو الأصح أو الصحيح عند محققي أصحابنا ، وممن صححه وأفتى به الإمام أبو الحسن بن سراقة من كبار أصحابنا ومتقدميهم ، وهو أحد أعلامهم في الفرائض والفقه وغيرهما ، ثم صاحب ( الحاوي ) ، والقاضيحسين ، والمتولي ، والخبري - بفتح الخاء المعجمة وإسكان الباء الموحدة - وآخرون ، قال ابن سراقة : وهو قول عامة مشايخنا . قال : وعليه الفتوى اليوم في الأمصار ، ونقله صاحب ( الحاوي ) عن مذهب الشافعي - رضي الله عنه - قال : وغلط الشيخ أبو حامد في مخالفته ، قال : وإنما مذهب الشافعي منعهم إذا استقام بيت المال . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 7 ] فإن قلنا : لا يصرف إليهم ولا يرد ، فإن كان في يد أمين نظر إن كان في البلد قاض بشروط القضاء مأذون له في التصرف في مال المصالح دفع إليه ليصرفه فيها . وإن لم يكن قاض بشرطه صرفه الأمين بنفسه إلى المصالح ، وإن كان قاض بشرطه غير مأذون له في التصرف في مال المصالح فهل يدفعه إليه ، أم يفرقه الأمين بنفسه ، أم يوقف إلى أن يظهر بيت المال ومن يقوم بشرطه ؟ فيه ثلاثة أوجه .

                                                                                                                                                                        قلت : الثالث ضعيف والأولان حسنان . وأصحهما : الأول . ولو قيل : يتخير بينهما لكان حسنا ، بل هو عندي أرجح . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وعلى الثاني وقوف مساجد القرى ، يصرفها صلحاء القرية في عمارة المسجد ومصالحه . أما إذا لم يكن في يد أمين ، فيدفع إليه ليفرقه . وإذا قلنا بالصرف إلى ذوي الأرحام ، فوجهان : أحدهما نقله ابن كج : أنه يصرف إلى الفقراء منهم يقدم الأحوج فالأحوج . والصحيح الذي عليه الجمهور : يصرف إلى جميعهم . وهل هو إرث ، أم شيء مصلحي ؟ فيه وجهان : أشبههما بأصل المذهب : أنه على سبيل المصلحة ، واختاره الروياني ، قال : ويصرف إليهم إن كانوا محتاجين ، أو إلى غيره من أنواع المصالح . فإن خيف على رأس المال من حاكم الزمان ، صرف إلى الأصلح بقول مفتي البلدة .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح الذي عليه جمهور من قال من أصحابنا بتوريث ذوي الأرحام : أنه يصرف إلى جميعهم على سبيل الميراث ، على تفصيل يأتي - إن شاء الله تعالى - في الباب الثامن في كيفية توريثهم والرد . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 8 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية