الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 411 ] ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها فرغ من بناء سور بغداد وخندقها . وفيها غزا الصائفة العباس بن محمد ، فدخل بلاد الروم ومعه الحسن بن قحطبة ومحمد بن الأشعث ، ومات محمد بن الأشعث في الطريق . وفيها حج بالناس محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي ، وولاه المنصور على مكة والحجاز عوضا عن عمه عبد الصمد بن علي . وعمال الأمصار فيها هم الذين فيما قبلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي زكريا بن أبي زائدة ، وكهمس بن الحسن ، والمثنى بن الصباح ، وعيسى بن عمر أبو عمر الثقفي البصري النحوي شيخ سيبويه ، يقال : إنه من موالي خالد بن الوليد ، وإنما نزل في ثقيف ، فنسب إليهم . كان [ ص: 412 ] إماما كبيرا جليلا في اللغة والنحو والقراءات ، أخذ ذلك عن عبد الله بن كثير وابن محيصن وعبد الله بن أبي إسحاق ، وسمع الحسن البصري وغيرهم ، وعنه الخليل بن أحمد ، والأصمعي ، وسيبويه ، ولزمه وعرف به وانتفع به ، وأخذ كتابه الذي صنفه وسماه " الجامع " فزاد عليه وبسطه ، فهو " كتاب سيبويه " اليوم ، وكان يسأل عما أشكل فيه عليه شيخه الخليل بن أحمد ، وقد سأل الخليل يوما سيبويه عما صنف عيسى بن عمر فقال : جمع بضعا وسبعين كتابا ، ذهبت كلها إلا كتابه " الإكمال " ، وهو بأرض فارس وكتابه " الجامع " ، وهو الذي أشتغل فيه وأسألك عن غوامضه . فأطرق الخليل ساعة ثم أنشد :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذهب النحو جميعا كله غير ما أحدث عيسى بن عمر     ذاك إكمال وهذا جامع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهما للناس شمس وقمر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان عيسى يغرب ويتقعر في عبارته جدا ، وقد حكى الجوهري عنه في الصحاح أنه سقط يوما عن حماره ، فاجتمع عليه الناس فقال : ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة؟! افرنقعوا عني . معناه : ما لكم تجمعتم علي تجمعكم على مجنون؟! انكشفوا عني .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال غيره : كان به ضيق النفس ، فسقط بسببه ، فاعتقد الناس أنه مصروع ، فجعلوا يعوذونه ويقرءون عليه ، فلما أفاق من غشيته قال ما قال ، فقال [ ص: 413 ] بعضهم : إن جنيته تتكلم بالفارسية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر القاضي ابن خلكان أنه كان صاحبا لأبي عمرو بن العلاء ، وأن عيسى بن عمر قال يوما لأبي عمرو بن العلاء : أنا أفصح من معد بن عدنان . فقال له أبو عمرو : كيف تنشد هذا البيت :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد كن يخبأن الوجوه تسترا     فاليوم حين بدأن للنظار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أو " بدين " ؟ فقال : بدين . فقال أبو عمرو : أخطأت . ولو قال : بدأن . لأخطأ أيضا ، وإنما أراد أبو عمرو تغليطه ، وإنما الصواب : بدون ، من بدا يبدو إذا ظهر . وبدأ يبدأ إذا شرع في الشيء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية