الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين

موقع جملة إنما يعمر مساجد الله الاستئناف البياني ; لأن جملة ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله لما اقتضت إقصاء المشركين عن العبادة في المساجد كانت بحيث تثير سؤالا في نفوس السامعين أن يتطلبوا من هم الأحقاء بأن يعمروا المساجد ، فكانت هذه الجملة مفيدة جواب هذا السائل .

ومجيء صيغة القصر فيها مؤذن بأن المقصود إقصاء فرق أخرى عن أن يعمروا مساجد الله ، غير المشركين الذين كان إقصاؤهم بالصريح ، فتعين أن يكون المراد من الموصول وصلته خصوص المسلمين ; لأن مجموع الصفات المذكورة في الصلة لا يثبت لغيرهم ، فاليهود والنصارى آمنوا بالله واليوم الآخر لكنهم لم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة ; لأن المقصود بالصلاة والزكاة العبادتان المعهودتان بهذين الاسمين والمفروضتان في الإسلام ، ألا ترى إلى قوله - تعالى : قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين كناية عن أن لم يكونوا مسلمين .

واستغنى عن ذكر الإيمان برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بما يدل عليه من آثار شريعته : وهو الإيمان باليوم الآخر ، وإقام الصلاة : وإيتاء الزكاة .

[ ص: 142 ] وقصر خشيتهم على التعلق بجانب الله - تعالى - بصيغة القصر ليس المراد منه أنهم لا يخافون شيئا غير الله فإنهم قد يخافون الأسد ويخافون العدو ، ولكن معناه إذا تردد الحال بين خشيتهم الله وخشيتهم غيره قدموا خشية الله على خشية غيره كقوله آنفا أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه ، فالقصر إضافي باعتبار تعارض خشيتين .

وهذا من خصائص المؤمنين : فأما المشركون فهم يخشون شركاءهم وينتهكون حرمات الله لإرضاء شركائهم ، وأما أهل الكتاب فيخشون الناس ويعصون الله بتحريف كلمه ومجاراة أهواء العامة ، وقد ذكرهم الله بقوله : فلا تخشوا الناس واخشون

وفرع على وصف المسلمين بتلك الصفات رجاء أن يكونوا من المهتدين ، أي من الفريق الموصوف بالمهتدين وهو الفريق الذي الاهتداء خلق لهم في هذه الأعمال وفي غيرها . ووجه هذا الرجاء أنهم لما أتوا بما هو اهتداء لا محالة قوي الأمل في أن يستقروا على ذلك ويصير خلقا لهم فيكونوا من أهله ، ولذلك قال أن يكونوا من المهتدين ، ولم يقل أن يكونوا مهتدين .

وفي هذا حث على الاستزادة من هذا الاهتداء وتحذير من الغرور والاعتماد على بعض العمل الصالح باعتقاد أن بعض الأعمال يغني عن بقيتها .

والتعبير عنهم باسم الإشارة للتنبيه على أنهم استحقوا هذا الأمل فيهم بسبب تلك الأعمال التي عدت لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية