الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 455 ] القسم الثالث‌‌‌‌‌‌‌ :

          فيما يجب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما يستحيل في حقه أو يجوز عليه ، وما يمتنع أو يصح من الأحوال البشرية أن يضاف إليه

          مقدمة القسم الثالث

          قال الله - تعالى - : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل [ آل عمران : 144 ] الآية . .

          وقال - تعالى - : ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام [ المائدة : 75 ] .

          وقال : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق [ الفرقان : 20 ] .

          وقال - تعالى - : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد [ الكهف : 110 ] الآية . .

          فمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وسائر الأنبياء من البشر أرسلوا إلى البشر ، ولولا ذلك لما أطلق الناس مقاومتهم ، والقبول عنهم ، ومخاطبتهم .

          قال الله - تعالى - : ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا [ الأنعام : 9 ] ، أي لما كان إلا في صورة البشر الذين يمكنهم مخالطتهم ، إذ لا تطيقون مقاومة الملك ، ومخاطبته ، ورؤيته إذا كان على صورته .

          وقال - تعالى - : قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا [ الإسراء : 95 ] ، أي لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه ، أو من خصه الله - تعالى - ، واصطفاه ، وقواه على مقاومته ، كالأنبياء ، والرسل .

          فالأنبياء ، والرسل - عليهم السلام - ، وسائط بين الله - تعالى - ، وبين خلقه يبلغونهم أوامره ، ونواهيه ، ووعده ، ووعيده ، ويعرفونهم بما لم يعلموه من أمره ، وخلقه ، وجلاله ، وسلطانه وجبروته ، وملكوته ، فظواهرهم ، وأجسادهم ، وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر ، طارئ عليها ما يطرأ على البشر من الأعراض ، والأسقام ، والموت ، والفناء ، ونعوت الإنسانية ، وأرواحهم وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر ، متعلقة بالملأ الأعلى ، متشبهة بصفات الملائكة ، سليمة من التغير ، والآفات ، لا يلحقها غالبا عجز البشرية ، ولا ضعف الإنسانية ، إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم لما أطاقوا الأخذ عن الملائكة ، ورؤيتهم ، ومخاطبتهم ، ومخالتهم ، كما لا يطيقه غيرهم من البشر .

          ولو كانت أجسامهم ، وظواهرهم متسمة بنعوت الملائكة ، وبخلاف صفات البشر ، لما أطاق البشر ، ومن أرسلوا إليهم مخالطتهم ، كما تقدم من قول الله - تعالى - ، فجعلوا من جهة الأجسام والظواهر مع البشر ، ومن جهة الأرواح والبواطن مع الملائكة ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ، لكن صاحبكم خليل الرحمن .

          وكما قال : تنام [ ص: 456 ] عيناي ، ولا ينام قلبي إني لست كهيئتكم ، إني أظل يطعمني ربي ، ويسقيني .

          فبواطنهم منزهة من الآفات ، مطهرة من النقائص ، والاعتلالات .

          وهذه جملة لن يكتفي بمضمونها كل ذي همة ، بل الأكثر يحتاج إلى بسط وتفصيل على ما نأتي به بعد هذا في البابين بعون الله ، وهو حسبي ونعم الوكيل .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية