الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
154 [ ص: 305 ] حديث ثالث وثلاثون لأبي الزناد

مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع النداء ، فإذا قضي النداء أقبل ، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول اذكر كذا ، واذكر كذا لما لم يكن يذكره حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى .

التالي السابق


في هذا الحديث من الفقه أن الصلاة من شأنها أن يؤذن لها ، قال الله عز وجل : ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ) وقال ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) .

وقد ذكرنا ما للعلماء من الأقوال والمذاهب في الأذان في السفر والحضر عندهم ، وما اخترنا من ذلك بما صح عندنا [ ص: 306 ] في باب نافع من كتابنا هذا ، وأفردنا القول في الأذان للصبح في باب ابن شهاب عن سالم من كتابنا هذا فلا معنى لإعادة شيء من ذلك كله هاهنا .

وروي عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نادى المنادي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط فذكر معنى حديث أبي الزناد سواء ، وزاد : حتى لا يدري كم صلى أثلاثا أم أربعا ، فإذا لم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليسجد سجدتين وهو جالس ، وقد ذكرنا معنى هذا الحديث فيما سلف من حديث ابن شهاب .

وجملة مذهب مالك عند أصحابه وتحصيله عندهم أن الأذان سنة مؤكدة واجبة على الكفاية وليس بفرض وهو قول أبي حنيفة .

واختلف أصحاب الشافعي ، فمنهم من قال : هو فرض على الكفاية ، ومنهم من قال : هو سنة مؤكدة على الكفاية ، وأما قوله في هذا الحديث : أدبر الشيطان إلى آخر الحديث ، فإن هذا الحديث عندي يخرج في التفسير المسند في قول [ ص: 307 ] الله عز وجل ( من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ) لم يختلف أهل التفسير وأهل اللغة أن الوسواس الشيطان يوسوس في صدور الناس وقلوبهم أي يلقي في قلوبهم الريب ، ويحرك خواطر الشكوك ، ويذكر من أمر الدنيا بما يشغل عن ذكر الله ، وأصل الوسواس في اللغة صوت حركة الحلي ، وقوله : الخناس ؛ لأنه يخنس عند ذكر العبد لله ، ومعنى يخنس أي يرجع ناكصا .

ذكر معمر ، عن قتادة ، قال : الوسواس الخناس هو الشيطان إذا ذكر الله العبد خنس .

وذكر حجاج ، عن ابن جريج ، عن عثمان بن عطاء ، عن عكرمة ، قال : الوسواس محله الفؤاد ، فؤاد الإنسان ، وفي عينيه وذكره ، ومحله من المرأة في عينيها إذا أقبلت ، وفي فرجها ودبرها إذا أدبرت ، فهذه مجالسه منهما .

وذكر وكيع ، عن سفيان ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ما من مولود يولد إلا [ ص: 308 ] وعلى قلبه وسواس ، فإذا عقل فذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس .

وقال ابن قتيبة : خنس أي كف وأقصر .

وقال اليزيدي : يوسوس ثم يخنس أي يتوارى .

قال أبو عمر : فقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : إذا نودي للصلاة ، يريد إذا أذن لها ، فر الشيطان من ذكر الله في الأذان وأدبر وله ضراط من شدة ما لحقه من الخزي والذعر عند ذكر الله ، وذكر الله في الأذان تفزع منه القلوب ما لا تفزع من شيء من الذكر لما فيه من الجهر بالذكر ، وتعظيم الله فيه وإقامة دينه ، فيدبر الشيطان لشدة ذلك على قلبه حتى لا يسمع النداء ، فإذا قضي النداء ، أقبل على طبعه وجبلته يوسوس أيضا ، ويفعل ما يقدر مما قد سلط عليه حتى إذا ثوب بالصلاة - والتثويب هاهنا الإقامة - أدبر أيضا حتى إذا قضي التثويب - وهو الإقامة كما ذكرت لك - أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا وكذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل أن يدري كم صلى لينسيه ويخلط عليه أجارنا الله منه .

[ ص: 309 ] وفي هذا الحديث فضل للأذان عظيم ، ألا ترى أن الشيطان يدبر منه ولا يدبر من تلاوة القرآن في الصلاة ، وحسبك بهذا فضلا لمن تدبر .

روى ابن القاسم عن مالك ، قال : استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم ، وكان معدنا لا يزال يصاب فيه الناس من قبل الجن ، فلما وليهم شكوا ذلك إليه فأمرهم بالأذان ، وأن يرفعوا أصواتهم به ، ففعلوا ، فارتفع ذلك عنهم فهم عليه حتى اليوم .

قال مالك : وأعجبني ذلك من رأي زيد بن أسلم ، هكذا روى سحنون في سماع ابن القاسم .

وذكره الحارث بن مسكين ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن القاسم ، وعبد الله بن وهب ، قالا : قال مالك : استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم ، فذكره سواء إلى آخره .

وذكر يعقوب بن شيبة ، قال : حدثنا أبو سلمة التبوذكي ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : سمعت سليمان الشيباني يحدث ، عن يسير بن عمرو ، قال : سمعت عمر يقول : إن شيئا من [ ص: 310 ] الخلق لا يستطيع أن يتحول في غير خلقه ، ولكن للجن سحرة كسحرة الآدميين ، فإذا خشيتم شيئا من ذلك فأذنوا .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا ابن دحيم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان ، عن الشيباني ، عن يسير بن عمرو ، قال : ذكر الغيلان عند عمر ، فقال : إنه ليس شيء يتحول عن خلقه الذي خلق عليه ، ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا أحسستم من ذلك شيئا ، فأذنوا بالصلاة .

وذكر الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : الغيلان سحرة الجن .

وأما قوله : حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر ، حتى إذا قضي التثويب أقبل ، فإنه عنى بقوله " التثويب " هاهنا الإقامة ، ولا يحتمل غير هذا التأويل عندي ، والله أعلم .

وإنما سميت الإقامة في هذا الموضع تثويبا ؛ لأن التثويب في اللغة معناه العودة ، يقال منه : ثاب إلي مالي بعد ذهابه أي عاد ، وثاب إلى المريض جسمه إذا عاد إليه ، ومنه قول الله عز وجل ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) أي معادا لهم يثوبون إليه لا [ ص: 311 ] يقضون منه وطرا ، وإنما قيل للإقامة تثويب ؛ لأنها عودة إلى معنى الأذان ، تقول العرب : ثوب الداعي إذا كرر دعاءه إلى الحرب وغيرها قال حسان بن ثابت :


في فتية كسيوف الهند أوجههم لا ينكلون إذا ما ثوب الداعي

وقال آخر :


لخير نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثوب قال يا لا

وقال عبد المطلب بن هاشم وهو عند أخواله بني النجار بالمدينة :


فحنت ناقتي وعلمت أني غريب حين ثاب إلي عقلي

وقال آخر :


لو رأينا التوكيد خطة عجز ما شفعنا الأذان بالتثويب

ولا خلاف علمته أن التثويب عند عامة العلماء وخاصتهم قول المؤذن : الصلاة خير من النوم ، ولهذا قال أكثر الفقهاء لا تثويب إلا في الفجر .

[ ص: 312 ] وقال الحسن بن حي : يثوب في الفجر والعشاء .

وقال حماد عن إبراهيم : التثويب في صلاة العشاء والصبح لا في غيرهما .

وقال ابن الأنباري : إنما سمي التثويب تثويبا ، وهو قوله : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ؛ لأنه دعاء ثان إلى الصلاة ، وذلك أنه لما قال : حي على الصلاة حي على الفلاح ، وكان هذا دعاء إلى الصلاة ، ثم عاد فقال : الصلاة خير من النوم ، فدعا إليها مرة أخرى عاد إلى ذلك .

والتثويب عند العرب العودة ، وذكر نحو ما تقدم ، وقد يحتمل أن تكون الإقامة سميت تثويبا لتثنيتها في مذهب من رأى تثنيتها أو تثنية قوله : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة عند من قال ذلك من العلماء وهم الأكثر .

وأما اختلاف العلماء في الإقامة ، فقال مالك : تفرد الإقامة ويثنى الأذان .

[ ص: 313 ] ومعنى قوله : تفرد الإقامة ، يريد غير التكبير في أولهما وآخرها ، فإنه يثنى بإجماع من العلماء .

وقال الشافعي : تفرد الإقامة كقول مالك سواء إلا قوله : قد قامت الصلاة ، فإنه يقولها مرتين ، فخالف مالكا في هذا الموضع وحده من الإقامة .

ويروى أن أبا محذورة وولده ومؤذني مكة كلهم يقولون : قد قامت الصلاة مرتين ، وهو قول الزهري ، والحسن البصري ، ومكحول ، والأوزاعي .

وبه قال أبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق .

وقال مالك : يقول : قد قامت الصلاة مرة واحدة ، وروي عن ولد سعد القرظ بالمدينة أنهم يقولون : قد قامت الصلاة مرة واحدة .

وقال الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والحسن بن حي : الأذان والإقامة مثنى مثنى سواء إلا أن التكبير عندهم في أول الأذان وأول الإقامة أربع مرات ، ولا خلاف عندهم بين الأذان والإقامة في شيء ، ذهبوا في ذلك إلى حديث عبد الله بن زيد ، وهو حديث مختلف في ألفاظه وإسناده ، وسنذكره في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله .

وذهب مالك [ ص: 314 ] والشافعي في الأذان والإقامة إلى حديث أبي محذورة ، ولا خلاف بين مالك والشافعي في الأذان إلا في قوله : الله أكبر في أوله ، فإن الشافعي ذهب إلى أن ذلك يقال أربع مرات ، وذهب مالك إلى أن ذلك يقال مرتين ، وأكثر الآثار عن أبي محذورة وغيره على ما قال الشافعي ، وهو أذان أهل مكة ، والأذان بالمدينة على ما قال مالك ، وهو شيء يؤخذ عملا لأنه لا ينفك منه ، ومثل هذا يصح فيه ادعاء العمل بالمدينة .

واتفق مالك والشافعي على الترجيع بالشهادة في الأذان خاصة دون الإقامة على ما في حديث أبي محذورة .

وذهب الكوفيون إلى أن لا ترجيع في الأذان ولا الإقامة ، وإنما ذلك عندهم مثنى مثنى إلا التكبير في أوله على حسبما ذكرته لك .

وقال أحمد وإسحاق : إن رجع فلا بأس ، قال إسحاق : هما مستعملان ، والذي أختار أذان بلال .

وقالت طائفة منهم الطبري : إن شاء رجع ، وإن شاء لم يرجع ، وإن شاء أذن كأذان أبي محذورة ، وإن شاء كأذان بلال ، وفي الإقامة أيضا إن شاء ثنى ، وإن شاء أفرد ، وإن شاء قال : قد قامت الصلاة مرة ، وإن شاء مرتين كل ذلك مباح .

[ ص: 315 ] قال أبو عمر : قول داود وأصحابه في الأذان والإقامة كقول الشافعي سواء ، ومن حجة مالك والشافعي في إفراد الإقامة ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبو سلمة ، قال : حدثنا أحمد بن سلمة ، قال : أخبرنا خالد ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة .

وحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس أن النبي عليه السلام أمر بلالا أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة .

قال أبو عمر : ذكر عباس عن يحيى بن معين ، قال : لم يرفع هذا الحديث غير عبد الوهاب ، قال : وقد رواه إسماعيل ، ووهب ، ولم يرفعاه .

قال أبو عمر : يعني أنه لم يقل أحد في حديث أنس هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا غير عبد الوهاب من أصحاب أيوب ، وغيرهم يقولون أمر بلال ، ولا يذكرون النبي عليه السلام ، وحجة من قال : قد قامت الصلاة مرتين ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن [ ص: 316 ] نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قالا جميعا : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن سماك بن عطية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة زاد أبو داود في إسناد هذا الحديث ، فقال : حدثنا سليمان بن حرب ، وعبد الرحمن بن المبارك ، قالا : حدثنا حماد بن زيد ثم ذكره .

قال أبو داود : وحدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا وهيب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ، قال أبو داود : وحدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك مثل حديث وهيب ، قال إسماعيل : فحدثت به أيوب ، فقال : إلا الإقامة .

قال أبو عمر : يريد بقوله إلا الإقامة قوله : قد قامت الصلاة ، فإنها لا تفرد وتثنى ، يقول : أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا قوله : قد قامت الصلاة فإنه مثنى .

[ ص: 317 ] حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثني أبو جعفر ، عن أبي المثنى ، عن ابن عمر ، قال : كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثنى مثنى ، والإقامة مرة إلا أنك تقول : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة .

وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أسود بن عامر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي جعفر المؤذن ، عن أبي المثنى - مؤذن المسجد الأكبر - أنه سمع ابن عمر يقول : كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثنى مثنى والإقامة واحدة إلا أنه إذا قال : قد قامت الصلاة ، قالها مرتين ، فكنا إذا سمعنا الأذان توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا جعفر يحدث عن [ ص: 318 ] مسلم بن المثنى ، عن ابن عمر ، قال إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين مرتين ، والإقامة مرة مرة غير أنه يقول : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، فإذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة ، فقال شعبة : لم أسمع من أبي جعفر غير هذا الحديث .

قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك في الإقامة على ما ذكر ابن خواز منداد وغيره أنها سنة مؤكدة ، وهي عندهم أوكد من الأذان ، ومن تركها فهو مسيء ، وصلاته مجزئة ، وهو قول الشافعي وسائر الفقهاء فيمن ترك الإقامة أنه مسيء بتركها ولا إعادة عليه ، وقال أهل الظاهر ، والأوزاعي ، وعطاء ، ومجاهد : هي واجبة ، ويرون الإعادة على من تركها أو نسيها .

ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن الفزاري ، عن الأوزاعي ، قال : الإقامة أول الصلاة .

قال أبو عمر : في قوله - صلى الله عليه وسلم - : تحريمها التكبير ، دليل على أنه لم يدخل في الصلاة من لم يحرم ، فما كان قبل الإحرام فحكمه ألا تعاد منه الصلاة إلا أن يجمعوا [ ص: 319 ] على شيء فيسلم للإجماع كالطهارة ، والقبلة ، والوقت ، ونحو ذلك ، وأما قوله : حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى ، فإنه يريد حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ، كذا رواه بهذا اللفظ جماعة ، ومعنى يظل يصير ، يقول حتى يصير المرء لا يدري كم صلى ، وقيل : يظل هاهنا بمعنى يبقى لا يدري كم صلى ، وأنشدوا :


ظللت ردائي فوق رأسي قاعدا أعد الحصى ما تنقضي عبراتي

من رواه بكسر الهمز إن يدري ما صلى ، فإن بمعنى ما كثير ، ولكن الرواية عندنا فتح الهمزة ، والله أعلم وبه التوفيق .




الخدمات العلمية