الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم

تفريع على الأفعال المتقدمة في قوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم

والتوبة عن الشرك هي الإيمان ، أي فإن آمنوا إيمانا صادقا ، بأن أقاموا الصلاة الدالة إقامتها على أن صاحبها لم يكن كاذبا في إيمانه ، وبأن آتوا الزكاة الدال إيتاؤها على أنهم مؤمنون حقا ; لأن بذل المال للمسلمين أمارة صدق النية فيما بذل فيه . فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة شرط في كف القتال عنهم إذا آمنوا ، وليس في هذا دلالة على أن الصلاة والزكاة جزء من الإيمان .

وحقيقة فخلوا سبيلهم اتركوا طريقهم الذي يمرون به ، أي اتركوا لهم كل طريق أمرتم برصدهم فيه أي اتركوهم يسيرون مجتازين أو قادمين عليكم ، إذ لا بأس عليكم منهم في الحالتين ، فإنهم صاروا إخوانكم ، كما قال في الآية الآتية فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين

وهذا المركب مستعمل هنا تمثيلا في عدم الإضرار بهم ومتاركتهم ، يقال : خل سبيلي ، أي : دعني وشأني ، كما قال جرير :

خل السبيل لمن يبني المنـار بـه وأبرز ببرزة حيث اضطرك القدر

[ ص: 117 ] وهو مقابل للتمثيل الذي في قوله : واقعدوا لهم كل مرصد

وجملة إن الله غفور رحيم تذييل أريد به حث المسلمين على عدم التعرض بالسوء للذين يسلمون من المشركين ، وعدم مؤاخذتهم لما فرط منهم ، فالمعنى اغفروا لهم لأن الله غفر لهم وهو غفور رحيم ، أو اقتدوا بفعل الله إذ غفر لهم ما فرط منهم كما تعملون فكونوا أنتم بتلك المثابة في الإغضاء عما مضى .

التالي السابق


الخدمات العلمية