الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 241 ] ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في المحرم منها وجه قحطبة بن شبيب ولده الحسن إلى قومس لقتال نصر بن سيار ، وأردفه بالأمداد ، فخامر بعضهم إلى نصر ، وارتحل نصر فنزل الري ، فأقام بها يومين ، ثم مرض ، فسار منها إلى همذان ، فلما كان بساوة قريبا من همذان توفي لمضي ثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من هذه السنة ، عن خمس وثمانين سنة ، فلما مات نصر تمكن أبو مسلم الخراساني وأصحابه من بلاد خراسان وقويت شوكتهم جدا ، فسار قحطبة من جرجان ، وقدم أمامه زياد بن زرارة القشيري وكان قد ندم على اتباع أبي مسلم فترك الجيش ، وأخذ جماعة معه ، وسلك طريق أصبهان ليأتي ابن ضبارة فبعث قحطبة وراءه جيشا ، فقتلوا عامة أصحابه ، وأقبل قحطبة وراءه ، فقدم قومس ، وقد افتتحها ابنه الحسن فأقام بها ، وبعث ابنه بين يديه إلى الري ، ثم ساق وراءه ، فوجده قد افتتحها ، فأقام بها وكتب إلى أبي مسلم بذلك ، وارتحل أبو مسلم من مرو فنزل نيسابور واستفحل أمره جدا ، وبعث قحطبة - بعد دخوله الري بثلاث - ابنه الحسن بين يديه إلى همذان ، فلما اقترب منها خرج منها مالك بن أدهم وجماعة من أجناد الشام وخراسان فنزلوا نهاوند فافتتح الحسن همذان ، ثم سار وراءهم إلى نهاوند ، وبعث إليه أبوه بالأمداد وراءه ، فجاء فحاصرهم بها حتى افتتحها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 243 ] وفي هذه السنة مات عامر بن ضبارة وكان سبب ذلك أن ابن هبيرة كان قد كتب إليه أن يسير إلى قحطبة وأمده بالعساكر ، فسار ابن ضبارة حتى التقى مع قحطبة ، وابن ضبارة في مائة وخمسين ألفا ، وكان يقال له : عسكر العساكر ، وقحطبة في عشرين ألفا ، فلما تواجه الفريقان رفع قحطبة وأصحابه المصاحف ، ونادى المنادي : يا أهل الشام ، إنا ندعوكم إلى ما في هذا المصحف . فشتموا المنادي ، وشتموا قحطبة ، فأمر قحطبة أصحابه أن يحملوا عليهم ، فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم أصحاب ابن ضبارة واتبعهم أصحاب قحطبة ، فقتلوا منهم خلقا كثيرا ، وقتلوا ابن ضبارة في العسكر وأخذوا من عسكرهم ما لا يحد ولا يوصف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حاصر قحطبة نهاوند حصارا شديدا ، حتى سأله أهل الشام الذين بها أن يشغل أهلها حتى يفتحوا له الباب ، ففتحوا له الباب ، وأخذوا لهم منه أمانا ، فقال لهم من بها من أهل خراسان : ما فعلتم ؟ فقالوا : أخذنا لنا ولكم أمانا . فخرجوا ظانين أنهم في أمان ، فقال قحطبة للأمراء الذين معه : كل من حصل عنده أسير من الخراسانيين فليضرب عنقه وليأتنا برأسه . ففعلوا ذلك ، ولم يبق ممن كان هرب من أبي مسلم منهم أحد ، وأطلق الشاميين وأوفى لهم عهدهم ، وأخذ عليهم الميثاق أن لا يمالئوا عليه عدوا ، ثم بعث قحطبة - عن أمر أبي مسلم - أبا عون إلى شهرزور في ثلاثين ألفا ، فحاصرها حتى افتتحها ، وقتل نائبها عثمان بن سفيان . وقيل : لم يقتل بل تحول إلى الموصل والجزيرة وبعث [ ص: 244 ] إلى قحطبة بذلك . ولما بلغ مروان خبر قحطبة ، وأبي مسلم وما وقع من أمرهما تحول من حران ، فنزل بمكان يقال له : الزاب الأكبر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قصد قحطبة في جيش كثيف نائب العراق يزيد بن عمر بن هبيرة ، فلما اقترب منه تقهقر ابن هبيرة إلى ورائه ، وما زال يتقهقر إلى أن جاوز الفرات ، وجاء قحطبة فجازه وراءه ، وكان من أمرهما ما سنذكره في السنة الآتية ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية