الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( شرط الشاهد ) أوصاف تضمنها قوله ( مسلم حر مكلف عدل ذو مروءة غير متهم ) ناطق رشيد متيقظ فلا تقبل شهادة أضداد هؤلاء ككافر ولو على مثله ؛ لأنه أخس الفساق وخبر { لا تقبل [ ص: 212 ] شهادة أهل دين على غير دينهم إلا المسلمون فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم } ضعيف وقوله تعالى { أو آخران من غيركم } أي : من غير عشيرتكم أو منسوخ بقوله { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ولا من فيه رق لنقصه ومن ثم لم يتأهل لولاية مطلقا ولا صبي ومجنون إجماعا ولا فاسق لهذه الآية وقوله { ممن ترضون } وهو ليس بعدل ولا مرضي واختار جمع منهم الأذرعي والغزي وآخرون قول بعض المالكية أنه إذا فقدت العدالة وعم الفسق قضى الحاكم بشهادة الأمثل فالأمثل للضرورة ورده ابن عبد السلام بأن مصلحته يعارضها مفسدة المشهود عليه ولأحمد رواية اختارها بعض أئمة مذهبه أنه يكفي ظاهر الإسلام ما لم يعلم فسقه ولا غير ذي مروءة ؛ لأنه لا حياء له ومن لا حياء له يقول ما شاء للخبر الصحيح { إذا لم تستح فاصنع ما شئت } ويأتي تفسير المروءة ولا متهم لقوله تعالى { وأدنى أن لا ترتابوا } والريبة حاصلة بالمتهم ولا أخرس وإن فهم إشارته كل أحد ؛ لأنها لا تخلو عن احتمال ، ولا محجور عليه بسفه لنقصه واعترض ذكره بأنه إما ناقص عقل أو فاسق فما مر يغني عنه ويرد بأن نقص عقله لا يؤدي إلى تسميته مجنونا ولا مغفل ولا أصم في مسموع ولا أعمى في مبصر كما يأتي ومن التيقظ ضبط ألفاظ المشهود عليه بحروفها من غير زيادة فيها ولا نقص ومن ثم يظهر أنه لا تجوز الشهادة بالمعنى ولا تقاس بالرواية لضيقها ؛ ولأن المدار هنا على عقيدة الحاكم لا الشاهد فقد يحذف أو يغير ما لا يؤثر عند نفسه ويؤثر عند الحاكم نعم لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إيهام كما يشير لذلك قولهم لو قال شاهد وكله ، أو قال قال وكلته وقال الآخر : فوض إليه ، أو أنابه قبل ، أو قال واحد قال وكلت وقال الآخر : قال فوضت إليه لم يقبلا ؛ لأن كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر ، وكان الغرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة ويجري ذلك في قول أحدهما قال القاضي ثبت عندي طلاق فلانة ، والآخر قال ثبت عندي طلاق هذه فلا يكفي بخلاف قول واحد ثبت عنده طلاق فلانة وآخر ثبت عنده طلاق هذه وهي تلك فإنه يكفي اتفاقا ، ثم رأيت شيخنا كالغزي قال في تلفيق الشهادة ولو شهد واحد بإقراره بأنه وكله في كذا وآخر بإقراره بأنه أذن له في التصرف فيه أو سلطه عليه أو فوضه إليه انتفت الشهادة ؛ لأن النقل بالمعنى كالنقل [ ص: 213 ] باللفظ بخلاف ما لو شهدا كذلك في العقد أو شهد واحد بأنه قال وكلتك في كذا وآخر بأنه قال سلطتك عليه أو فوضته إليك أو شهد واحد باستيفاء الدين ، والآخر بالإبراء منه فلا يلفقان . ا هـ .

                                                                                                                              فقوله النقل بالمعنى كالنقل باللفظ يتعين حمله على ما ذكرته من أنه يجوز التعبير عن المسموع بمرادفه المساوي له من كل وجه لا غير ، ويؤيد قولي وكأن الغرض إلى آخره قولهم لو شهد له واحد ببيع ، وآخر بالإقرار به لم يلفقا فلو رجع أحدهما وشهد بما شهد به الآخر قبل ؛ لأنه يجوز أن يحضر الأمرين فتعليلهم هذا صريح فيما ذكرته فتأمله ويؤخذ مما يأتي في المتنقبة أن محل قبوله هنا إن كان مشهورا بكونه من أهل الديانة والمعرفة ولو شهد له واحد بألف وآخر بألفين ثبت الألف وله الحلف مع الشاهد بالألف الزائدة وبهذا يظهر اعتماد قول العبادي لو شهد واحد بأنه وكله ببيع هذا ، وآخر بأنه وكله ببيع هذا وهذه لفقتا فيه وأن استغراب الهروي له غير واضح ولو أخبر عدل الشاهد بمضاد شهادته ففي حل تركها إن ظن صدقه وجهان رجح بعضهم المنع وبعضهم الجواز والذي يتجه أنه لا يكتفى بالظن ؛ لأن الشهادة اختصت بمزيد احتياط بل لا بد من الاعتقاد فإن اعتقد صدقه جاز وإلا فلا وعليه يحمل جزم بعضهم بأنه لو أخبر الحاكم برجوع الشاهد فإن ظن صدق المخبر أي : اعتقده توقف عن الحكم وإلا فلا ومن شهد بإقرار مع علمه باطنا بما يخالفه لزمه أن يخبر به

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 212 ] قوله : { إذا لم تستح فاصنع ما شئت } ) أي : صنعه ( قوله : فلا يكفي ) قد ينظر فيه بأن إبدال فلانة بهذه أي : بالعكس [ ص: 213 ] لا يمتنع في الحكاية كما يعلم من النحو فلا منافاة بينهما ( قوله : وعليه يحمل جزم بعضهم بأنه لو أخبر الحاكم برجوع الشاهد إلخ ) ولو أخبر الشاهد عدل بما ينافي شهادته جاز له اعتماده إن غلب على ظنه صدقه وإلا فلا [ ص: 214 ] كما يؤخذ ذلك من قول شيخنا الرملي لو أخبر الحاكم برجوع الشاهد فإن ظن صدق المخبر توقف عن الحكم [ ص: 215 ] وإلا فلا ش م ر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن شرط الشاهد ) أي : شروطه مغني . ( قوله : أوصاف تضمنها إلخ ) دفع به ما يرد على المتن من حمل العين على المعنى ( قول المتن مسلم ) أي : ولو بالتبعية حر أي : ولو بالدار ذو مروءة بالهمز بوزن سهولة وهي الاستقامة مغني . ( قوله : فلا تقبل شهادة أضداد هؤلاء ككافر ) الأخصر الأولى ليظهر عطف ما يأتي فلا تقبل شهادة كافر إلخ كما في المغني . ( قوله : ولو على مثله ) خلافا لأبي حنيفة مطلقا ولأحمد في الوصية مغني . ( قوله : وخبر لا تقبل [ ص: 212 ] شهادة أهل دين إلخ ) مراده بهذا دفع ورود هذا الحديث الدال بمفهومه على قبول شهادة كل أهل دين على أهل دينهم رشيدي . ( قوله : أي غير عشيرتكم ) أي معناه من غير عشيرتكم والمراد بهم غير الأصول والفروع ليوافق ما يأتي من قبول شهادة الأخ لأخيه قاله ع ش ويرد عليه أنه لا يظهر حينئذ العطف في الآية فالمراد بالعشيرة الأقارب وبغيرهم الأجانب . ( قوله : أو منسوخ ) أي : أو المراد به غير المسلمين لكنه منسوخ ع ش ( قوله : ولا من فيه رق ) انظر وجه عطفه على ما قبله عبارة المغني مع المتن حر ولو بالدار فلا تقبل شهادة رقيق خلافا لأحمد ولو مبعضا أو مكاتبا . ا هـ .

                                                                                                                              ، ثم رأيت قال الرشيدي قوله : ولا من فيه رق الصواب حذف لفظ لا في هذا وفيما بعده ؛ لأنه من جملة الأضداد التي هي مدخول لا وليس معادلا له . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : لنقصه إلخ ) عبارة الأسنى كسائر الولايات إذ في الشهادة نفوذ قول على الغير وهو نوع ولاية . ا هـ . ( قوله : مطلقا ) أي عدلا كان أو غير عدل قنا كان أو مدبرا أو مبعضا مالية كانت الولاية أو غيرها ع ش . ( قوله : ولا صبي ) إلى قوله واختار في المغني . ( قوله : وهو ليس إلخ ) أي الفاسق . ( قوله : بشهادة الأمثل إلخ ) أي : دينا ع ش . ( قوله : تعارضها مفسدة المشهود عليه ) لكن رعاية تلك المصلحة قد تؤدي إلى تعطل الأحكام فيرجع منها على المشهود عليه ضرر لا يحتمل ؛ لأن الفرض تعذر العدول . ا هـ .

                                                                                                                              ع ش وقوله تلك المصلحة لعله محرف عن المفسدة . ( قوله : ولأحمد رواية إلخ ) لعل اللام بمعنى عن . ( قوله : أنه يكفي إلخ ) بدل من رواية ( قوله : ولا غير ذي مروءة ) إلى قوله لنقصه في المغني ( قوله : فاصنع ما شئت ) أي صنعه سم . ( قوله : ويأتي ) أي في المتن ( قوله : ذلك أدنى إلخ ) والقراءة { ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا } . ( قوله : فما مر ) أي قوله : ومجنون ولا فاسق هذا على رجوع ضمير ذكره إلى قوله ولا محجور عليه بسفه كما هو الظاهر ، وأما على احتمال رجوعه إلى قوله رشيد فالمراد بما مر قول المصنف مكلف عدل . ( قوله : لأنه مكلف ) أي : وصرف ماله في محرم لا يستلزم الفسق ع ش . ( قوله : كما يأتي ) أي : في الأصم والأعمى ومراده بهذا الاعتذار عن عدم اشتراط السمع والبصر هنا رشيدي . ( قوله : ومن ثم يظهر أنه لا يجوز الشهادة بالمعنى ) فلو كانت صيغة البيع مثلا من البائع بعت ومن المشتري اشتريت فلا يعتد بالشهادة إلا إذا قال أشهد أن البائع قال بعت ، والمشتري قال اشتريت بخلاف ما لو قال أشهد أن هذا اشترى من هذا فلا يكفي فتنبه له فإنه يغلط فيه كثيرا ع ش وفيه وقفة بل ما يأتي عن شيخ الإسلام والغزي كالصريح في الجواز فليراجع . ( قوله : لضيقها ) أي الشهادة . ( قوله : فقد يحذف أو يغير إلخ ) انظر لو كان فقيها موافقا لمذهب الحاكم هل تجوز له الشهادة بالمعنى ؟ وقضية هذا التعليل نعم فليراجع رشيدي . ( قوله : قبل ) الأنسب التثنية أو التأنيث . ( قوله : لم يقبلا ) أي : في هذه الأخيرة ع ش . ( قوله : ويجري ذلك ) أي عدم القبول وقوله فلا يكفي أي ما لم يرجع أحدهما ويشهد بما قاله الآخر أخذا مما يأتي ع ش عبارة الرشيدي قوله : ويجري ذلك أي : عدم التلفيق فلو رجع وشهد بما شهد به الآخر قبل ، وقوله فلا يكفي لعل هذا فيما إذا شهدا على إنشاء الحكم بالثبوت لا على إقراره بذلك حيث يعتبر وإلا فأي فرق بين هذا وما قبله . ا هـ .

                                                                                                                              وعبارة سم قوله : فلا يكفي قد ينظر فيه بأن إبدال فلانة بهذه أو بالعكس لا يمتنع في الحكاية كما يعلم من النحو فلا منافاة بينهما . ا هـ .

                                                                                                                              سم أقول هذا النظر يجري فيما مر آنفا أيضا فتسليم ذلك دون هذا ترجيح بلا مرجح . ( قوله : [ ص: 213 ] بخلاف ما لو شهدا كذلك في العقد ) انظر ما مراده به رشيدي أقول وقد يصور كلام شيخ الإسلام والغزي بأن شهد أحدهما بأنه قال بعتك هذا بكذا وآخر بأنه قال ملكتك هذا بكذا ( قوله : أو شهد واحد إلخ ) لعل الأولى كأن شهد إلخ ؛ لأن التوكيل من العقد . ( قوله : يتعين حمله إلخ ) أي : كما تدل له أمثلته رشيدي . ( قوله : فتعليلهم هذا صريح إلخ ) إن أراد صريح فيما ذكره بإطلاقه فمحل نظر بل صريح أو كالصريح في رده وإن أراد أنه صريح فيه بعد تقييده بالرجوع من أحدهما فهو كذلك والأمر حينئذ واضح لا غبار عليه فليتأمل سيد عمر . ( قوله : أن محل قبوله ) أي من رجع منهما . ( قوله : ولو شهد واحد بألفين إلخ ) لعل الدعوى بألفين لتصحيح الشهادة بالألف الثاني فليراجع رشيدي . ( قوله : لفقتا فيه ) أي : فيما اتفقا عليه من العينين ع ش . ( قوله : ولو أخبر عدل إلخ ) لعله عدل رواية إذ المدار على ما يغلب على الظن صدقه كما يعلم من قوله إن ظن صدقه بل قياس النظائر أن الفاسق كذلك فليراجع رشيدي ( قوله : المنع ) أي منع الترك ( قوله : وبعضهم الجواز ) اعتمده النهاية عبارته ولو أخبر الشاهد عدل بما ينافي شهادته جاز له اعتماده إن غلب على ظنه صدقه وإلا فلا كما يؤخذ ذلك من قول الوالد رحمه الله تعالى لو أخبر الحاكم برجوع الشاهد فإن ظن صدق المخبر توقف عن الحكم وإلا فلا . ا هـ .

                                                                                                                              ويؤيده الخبر المتقدم عن الأسنى والمغني . ( قوله : والذي يتجه أنه لا يكتفى إلخ ) خلافا للنهاية ووالده كما مر آنفا . ( قوله : لأن الشهادة إلخ ) قد يقال هذا دليل عليه لا له ( قوله : جاز ) أي ترك الشهادة وقد يقال مقتضى الشرط الوجوب إلا أن يقال أن ذلك جواز بعد الامتناع فيشمل الوجوب ، ثم رأيت في ع ش كلا من السؤال والجواب المذكورين . ( قوله : لزمه أن يخبر به ) انظر ما فائدته مع أنه مؤاخذ بإقراره وفي حاشية الشيخ ع ش ما لا يشفي رشيدي عبارته وفائدة ذلك أن الحاكم يثبت في بيان الحق لاحتمال أن المشهود عليه أقر ناسيا أو ظانا بقاء الحق مع كونه في الواقع غير ثابت . ا هـ .

                                                                                                                              ويأتي قبيل الشرط الرابع من شروط الأداء ما يفيد أنه لا يجوز لذلك الشاهد أن يشهد بالإقرار إلا إن قلد القائل بأن الإقرار إنشاء للملك لا إخبار به راجعه




                                                                                                                              الخدمات العلمية