الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ( 154 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : قل ، يا محمد ، للذين وصفت لك صفتهم من المنافقين : لو كنتم في بيوتكم لم تشهدوا مع المؤمنين مشهدهم ، ولم تحضروا معهم حرب أعدائهم من المشركين ، فيظهر للمؤمنين ما كنتم تخفونه من نفاقكم ، وتكتمونه من شككم في دينكم" لبرز الذين كتب عليهم القتل " ، يقول : لظهر للموضع الذي كتب عليه مصرعه فيه ، من قد كتب عليه القتل منهم ، ولخرج من بيته إليه حتى يصرع في الموضع الذي كتب عليه أن يصرع فيه . .

وأما قوله : " وليبتلي الله ما في صدوركم " ، فإنه يعني به : وليبتلي الله ما في صدوركم ، أيها المنافقون ، كنتم تبرزون من بيوتكم إلى مضاجعكم .

[ ص: 325 ]

ويعني بقوله : " وليبتلي الله ما في صدوركم " ، وليختبر الله الذي في صدوركم من الشك ، فيميزكم بما يظهره للمؤمنين من نفاقكم من المؤمنين .

وقد دللنا فيما مضى على أن معاني نظائر قوله : " ليبتلي الله " و"وليعلم الله" وما أشبه ذلك ، وإن كان في ظاهر الكلام مضافا إلى الله الوصف به ، فمراد به أولياؤه وأهل طاعته وأن معنى ذلك : وليختبر أولياء الله ، وأهل طاعته الذي في صدوركم من الشك والمرض ، فيعرفوكم ، [ فيميزوكم ] من أهل الإخلاص واليقين" وليمحص ما في قلوبكم " ، يقول وليتبينوا ما في قلوبكم من الاعتقاد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من العداوة أو الولاية .

" والله عليم بذات الصدور " ، يقول : والله ذو علم بالذي في صدور خلقه من خير وشر ، وإيمان وكفر ، لا يخفى عليه شيء من أمورهم ، سرائرها علانيتها ، وهو لجميع ذلك حافظ ، حتى يجازي جميعهم جزاءهم على قدر استحقاقهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن إسحاق يقول :

8096 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ذكر الله تلاومهم - يعني : تلاوم المنافقين - وحسرتهم على ما أصابهم ، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل : " لو كنتم في بيوتكم " ، لم تحضروا هذا الموضع الذي أظهر الله جل ثناؤه فيه منكم ما أظهر من سرائركم ، لأخرج الذي كتب عليهم القتل إلى موطن غيره يصرعون فيه ، حتى يبتلي به ما في صدوركم" وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور " ، أي لا يخفى عليه ما في صدورهم ، [ ص: 326 ] مما استخفوا به منكم .

8097 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا الحارث بن مسلم ، عن بحر السقاء ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن قال : سئل عن قوله : " قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " ، قال : كتب الله على المؤمنين أن يقاتلوا في سبيله ، وليس كل من يقاتل يقتل ، ولكن يقتل من كتب الله عليه القتل .

التالي السابق


الخدمات العلمية