الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 407 ] أبو عمرو بن العلاء

                                                                                      ابن عمار بن العريان التميمي ، ثم المازني البصري شيخ القراء والعربية وأمه من بني حنيفة .

                                                                                      اختلف في اسمه على أقوال : أشهرها زبان ، وقيل العريان . استوفينا من أخباره في " طبقات القراء " . مولده في نحو سنة سبعين .

                                                                                      حدث باليسير عن أنس بن مالك ، ويحيى بن يعمر ، ومجاهد ، وأبي صالح السمان ، وأبي رجاء العطاردي ، ونافع العمري ، وعطاء بن أبي رباح ، وابن شهاب . وقرأ القرآن على سعيد بن جبير . ومجاهد ، ويحيى بن يعمر ، وعكرمة ، وابن كثير ، وطائفة . وورد أنه تلا على أبي العالية الرياحي . وقد كان معه بالبصرة .

                                                                                      برز في الحروف ، وفي النحو ، وتصدر للإفادة مدة . واشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم .

                                                                                      تلا عليه يحيى اليزيدي ، والعباس بن الفضل ، وعبد الوارث بن سعيد ، وشجاع البلخي ، وحسين الجعفي ، ومعاذ بن معاذ ، ويونس بن حبيب النحوي ، وسهل بن يوسف ، وأبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس ، وسلام الطويل وعدة .

                                                                                      وحدث عنه : شعبة ، وحماد بن زيد ، وأبو أسامة ، والأصمعي ، وشبابة بن سوار ، ويعلى بن عبيد ، وأبو عبيدة اللغوي ، وآخرون . وانتصب للإقراء في [ ص: 408 ] أيام الحسن البصري .

                                                                                      قال أبو عبيدة . كان أعلم الناس بالقراءات والعربية ، والشعر وأيام العرب . وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ، ثم تنسك فأحرقها .

                                                                                      وكان من أشراف العرب ، مدحه الفرزدق وغيره .

                                                                                      قال يحيى بن معين : ثقة . وقال أبو حاتم : ليس به بأس . وقال أبو عمرو الشيباني : ما رأيت مثل أبي عمرو .

                                                                                      روى أبو العيناء ، عن الأصمعي : قال لي أبو عمرو بن العلاء : لو تهيأ أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت ، ولقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها ، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت حرف كذا ، وذكر حروفا .

                                                                                      قال نصر بن علي الجهضمي ، عن أبيه ، عن شعبة قال : انظر ما يقرأ به أبو عمرو مما يختاره فاكتبه ، فإنه سيصير للناس أستاذا .

                                                                                      قال إبراهيم الحربي وغيره : كان أبو عمرو من أهل السنة .

                                                                                      قال اليزيدي وآخر : تكلم عمرو بن عبيد في الوعيد سنة ، فقال أبو عمرو : إنك لألكن الفهم ، إذ صيرت الوعيد الذي في أعظم شيء مثله في أصغر [ ص: 409 ] شيء ، فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء ، وإنما نهى الله عنهما لتتم حجته على خلقه ، ولئلا يعدل عن أمره . ووراء وعيده عفوه وكرمه ثم أنشد :

                                                                                      ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ولا أختتي من صولة المتهدد     وإني وإن أوعدته ووعدته
                                                                                      لمخلف إيعادي ومنجز موعدي



                                                                                      فقال عمرو بن عبيد : صدقت . إن العرب تتمدح بالوفاء بالوعد والوعيد ، وقد يمتدح بهما المرء . تسمع إلى قولهم ؟ ! .

                                                                                      لا يخلف الوعد والوعيد ولا     يبيت من ثأره على فوت

                                                                                      فقد وافق هذا قوله تعالى : ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم .

                                                                                      قال أبو عمرو : قد وافق الأول أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث يفسر القرآن .

                                                                                      قال الأصمعي : قال لي أبو عمرو : كن على حذر من الكريم إذا أهنته ، ومن اللئيم إذا أكرمته ، ومن العاقل إذا أحرجته ، ومن الأحمق إذا مازحته ، ومن الفاجر إذا عاشرته . وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك ، أو تسأل من لا يجيبك ، أو تحدث من لا ينصت لك .

                                                                                      قال الأصمعي : سألت أبا عمرو : ما اسمك ؟ قال : زبان وروي عن الأصمعي أيضا قال : لا اسم لأبي عمرو . وأما يحيى اليزيدي ، فعنه أن اسم أبي عمرو العريان . ورواية أخرى عنه أن اسمه : يحيى . قال الأصمعي : سمعته يقول : كنت رأسا والحسن حي .

                                                                                      أبو حاتم ، عن أبي عبيدة : قال أبو عمرو بن العلاء : أنا زدت هذا البيت في قصيدة الأعشى ، وأستغفر الله منه : [ ص: 410 ]

                                                                                      وأنكرتني وما كان الذي نكرت     من الحوادث إلا الشيب والصلعا

                                                                                      وعن الطيب بن إسماعيل قال : شهدت ابن أبي العتاهية ، وقد كتب عن اليزيدي قريبا من ألف جلد ، عن أبي عمرو بن العلاء خاصة . قال : ويكون ذلك عشرة آلاف ورقة .

                                                                                      قال الأصمعي : كنت إذا سمعت أبا عمرو بن العلاء يتكلم ظننته لا يعرف شيئا ، كان يتكلم كلاما سهلا .

                                                                                      قال اليزيدي : سمعت أبا عمرو يقول : سمع سعيد بن جبير قراءتي فقال : الزم قراءتك هذه .

                                                                                      قال الأصمعي : كان لأبي عمرو كل يوم يشترى كوز وريحان بفلسين فإذا أمسى تصدق بالكوز ، وقال للجارية : جففي الريحان ودقيه في الأشنان .

                                                                                      قال أبو عبيد : حدثني عدة أن أبا عمرو قرأ على مجاهد . وزاد بعضهم : وعلى سعيد بن جبير . وروينا أن أبا عمرو وأباه هربا من الحجاج ومن عسفه . وحديثه قليل . ذكر غير واحد أن وفاته كانت في سنة أربع وخمسين ومائة .

                                                                                      قال الأصمعي : عاش أبو عمرو ستا وثمانين سنة . وقال خليفة بن خياط وحده : مات أبو عمرو وأبو سفيان ابنا العلاء سنة سبع وخمسين ومائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية