الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
565 [ ص: 173 ] حديث سابع عشر لأبي الزناد

مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب .

التالي السابق


تابع يحيى قوم على قوله " تأكله الأرض " في هذا الحديث ، وقال جماعة : " يأكله التراب " والمعنى واحد ، وعجب الذنب معروف ، وهو العظم في الأسفل بين الأليتين الهابط من الصلب يقال لطرفه العصعص ، وظاهر هذا الحديث وعمومه يوجب أن يكون بنو آدم كلهم في ذلك سواء إلا أنه قد روي في أجساد الأنبياء والشهداء أن الأرض لا تأكلهم ، وحسبك ما جاء في شهداء أحد وغيرهم ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من كتابنا ، وهذا يدل على أن هذا لفظ عموم ويدخله الخصوص من الوجوه التي ذكرنا ، فكأنه قال : كل من تأكله الأرض فإنه لا تأكل منه عجب الذنب ، وإذا جاز أن لا تأكل الأرض عجب الذنب جاز أن لا تأكل الشهداء ، وذلك كله حكم الله ، وحكمته [ ص: 174 ] وليس في حكمه إلا ما شاء لا شريك له ، وإنما نعرف من هذا ما عرفنا به ، ونسلم له إذ جهلنا علته ; لأنه ليس برأي ، ولكنه قول من يجب التسليم له - صلى الله عليه وسلم - .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا حامد بن يحيى البلخي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير ، سمع جابرا يقول : لما أراد معاوية أن يجري العين التي في أسفل أحد عند قبور الشهداء الذين بالمدينة أمر مناديا فنادى : من كان له ميت فليأته فليخرجه فليحمله ، قال جابر : فذهبنا إلى أبي ، فأخرجناهم رطابا ينثنون .

قال أبو سعيد : لا ننكر بعد هذا منكرا ، قال جابر : فأصابت المسحاة إصبع رجل منهم فتقطر الدم .

وأما قوله " منه خلق وفيه يركب " فيدل على أنه ابتدأ خلقه وتركيبه من عجب ذنبه ، والله أعلم .

وهذا لا يدرك إلا بخبر ، ولا خبر فيه عندنا مفسر ، وإنما هي جملة ما جاء في هذا الخبر .

وأما خلق آدم صلوات الله عليه وعلى سائر أنبياء الله ، فروي في خلقه آثار كثيرة ، في ظاهر بعضها اختلاف ، روى [ ص: 175 ] شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن سليمان ، قال : أول ما خلق الله من آدم رأسه ، فجعل ينظر وهو يخلق .

وروى حماد بن سلمة ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، قال : خمر الله طينة آدم أربعين ليلة ثم خلقها بيده ، فخرج طيبها في يمينه ، وخرج خبيثها في الأخرى ، ثم مسح يديه إحداهما بالأخرى فخلط بعضه ببعض ، فمن ثم يخرج الخبيث من الطيب ، والطيب من الخبيث .

وروى عوف ، عن قسامة بن زهير ، سمع أبا موسى الأشعري يقول : إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، جاء منهم الأحمر ، والأبيض ، والأسود ، وبين ذلك ، والحزن ، والسهل ، والخبيث ، والطيب .

وقال ابن جريج : يقولون إن الروح أول ما نفخ في يافوخ آدم ، وفي قوله عليه السلام : وفيه يركب ، إيمان بالبعث والنشأة الأخرى .




الخدمات العلمية