الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 264 ] القول في تأويل قوله ( قاتل معه ربيون كثير )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : "قتل معه ربيون " .

فقرأ ذلك جماعة من قرأة الحجاز والبصرة : ( قتل ) ، بضم القاف .

وقرأه جماعة أخر بفتح "القاف " و "بالألف " . وهي قراءة جماعة من قرأة الحجاز والكوفة .

قال أبو جعفر : فأما من قرأ ( قاتل ) ، فإنه اختار ذلك ، لأنه قال : لو قتلوا لم يكن لقوله : "فما وهنوا " ، وجه معروف . لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا .

وأما الذين قرأوا ذلك : ( قتل ) ، فإنهم قالوا : إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم ، وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقى من الربيين ممن لم يقتل .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب ، قراءة من قرأ بضم "القاف " : ( قتل معه ربيون كثير ) لأن الله عز وجل إنما عاتب بهذه الآية والآيات التي قبلها من قوله : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) الذين انهزموا يوم أحد ، وتركوا القتال ، أو سمعوا الصائح يصيح : "إن محمدا قد قتل " . فعذلهم الله عز وجل على فرارهم وتركهم القتال فقال : أفإن مات محمد أو قتل ، أيها المؤمنون ، ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم ؟ ثم أخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم ، وقال لهم : هلا فعلتم كما كان [ ص: 265 ] أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم من المضي على منهاج نبيهم ، والقتال على دينه أعداء دين الله ، على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم ولم تهنوا ولم تضعفوا ، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم ، ولكنهم صبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم ؟ وبذلك من التأويل جاء تأويل المتأولين .

وأما "الربيون " ، فإنهم مرفوعون بقوله : "معه " لا بقوله : "قتل " . وإنما تأويل الكلام : وكأين من نبي قتل ، ومعه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله . وفي الكلام إضمار "واو " ، لأنها "واو " تدل على معنى حال قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أنه اجتزأ بدلالة ما ذكر من الكلام عليها من ذكرها ، وذلك كقول القائل في الكلام : "قتل الأمير معه جيش عظيم " ، بمعنى : قتل ومعه جيش عظيم .

وأما "الربيون " ، فإن أهل العربية اختلفوا في معناه .

فقال بعض نحويي البصرة : هم الذين يعبدون الرب ، واحدهم "ربي " .

وقال بعض نحويي الكوفة : لو كانوا منسوبين إلى عبادة الرب لكانوا "ربيون " بفتح "الراء " ، ولكنه : العلماء ، والألوف .

و "الربيون " عندنا ، الجماعات الكثيرة ، واحدهم "ربي " ، وهم الجماعة .

واختلف أهل التأويل في معناه . [ ص: 266 ]

فقال بعضهم مثل ما قلنا .

ذكر من قال ذلك :

7957 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : الربيون : الألوف .

7958 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، مثله .

7959 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري وابن عيينة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله ، مثله .

7960 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عمرو عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، مثله .

7961 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عوف عمن حدثه ، عن ابن عباس في قوله : "ربيون كثير " ، قال : جموع كثيرة .

7962 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " قاتل معه ربيون كثير " قال : جموع .

7963 - حدثني حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " قال : الألوف .

وقال آخرون بما : -

7964 - حدثني به سليمان بن عبد الجبار قال : حدثنا محمد بن الصلت [ ص: 267 ] قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " قال : علماء كثير .

7965 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عوف ، عن الحسن في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " ، قال : فقهاء علماء .

7966 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية . عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " قال : الجموع الكثيرة قال يعقوب : وكذلك قرأها إسماعيل : ( قتل معه ربيون كثير ) .

7967 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " يقول : جموع كثيرة .

7968 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " ( قتل معه ربيون كثير ) " ، قال : علماء كثير وقال قتادة : جموع كثيرة .

7969 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة في قوله : " ربيون كثير " ، قال : جموع كثيرة .

7970 - حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة ، مثله .

7971 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ( قتل معه ربيون كثير ) " قال : جموع كثيرة .

7972 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 268 ]

7973 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ( قتل معه ربيون كثير ) " يقول : جموع كثيرة .

7974 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " ، يقول : جموع كثيرة ، قتل نبيهم .

7975 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن جعفر بن حبان والمبارك ، عن الحسن في قوله : "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير " ، قال جعفر : علماء صبروا وقال ابن المبارك : أتقياء صبر .

7976 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ( قتل معه ربيون كثير " يعني الجموع الكثيرة ، قتل نبيهم .

7977 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " قاتل معه ربيون كثير " ، يقول : جموع كثيرة .

7978 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : "وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " قال : وكأين من نبي أصابه القتل ، ومعه جماعات .

7979 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " ، الربيون : هم الجموع الكثيرة .

وقال آخرون : الربيون ، الأتباع . [ ص: 269 ]

ذكر من قال ذلك :

7980 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " ، قال : "الربيون " الأتباع ، و "الربانيون " الولاة ، و "الربيون " الرعية . وبهذا عاتبهم الله حين انهزموا عنه ، حين صاح الشيطان : "إن محمدا قد قتل " قال : كانت الهزيمة عند صياحه في [ سه صاح ] : أيها الناس ، إن محمدا رسول الله قد قتل ، فارجعوا إلى عشائركم يؤمنوكم! .

التالي السابق


الخدمات العلمية