الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1715 [ ص: 53 ] حديث تاسع لأبي الزناد

مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤمن يأكل في معي واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء .

التالي السابق


قال أبو عمر : معى مقصور مثل غنى ، وسوى ، ومنى ، وهذا الحديث خرج على غير مقصوده بالحديث ، والإشارة فيه إلى كافر بعينه لا إلى جنس الكافر ، ولا سبيل إلى حمله على العموم ; لأن المشاهدة تدفعه وتكذبه ، وقد جل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، ألا ترى أنه قد يوجد كافر أقل أكلا من مؤمن ، ويسلم الكافر فلا ينتقص أكله ولا يزيد ، وفي حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن هذا الحديث كان في رجل بعينه ، ولذلك جعله مالك في موطئه بعده مفسرا [ ص: 54 ] له ، وقد قيل فيه غير هذا مما قد ذكرته في حديث سهيل ، وسيأتي حديث سهيل في بابه من كتابنا هذا إن شاء الله .

ويروى أن الرجل الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه المقالة هو جهجاه بن سعيد الغفاري ، وقد ذكرناه وذكرنا خبره في كتاب الصحابة ، حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن الحباب ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، قال : حدثنا عبيد الله بن سلمان الأغر ، عن عطاء بن يسار ، عن جهجاه الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام ، فحضروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ، فلما سلم قال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، قال : فلم يبق في المسجد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري ، وكنت رجلا عظيما طوالا لا يقدم علي أحد ، فذهب بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله ، فحلب لي عنزا ، فأتيت عليها حتى حلب لي سبعة أعنز فأتيت عليها ، وذكر الحديث ، وفيه : فلما أسلمت دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله ، فحلب لي عنزا [ ص: 55 ] فرويت وشبعت ، فقالت أم أيمن : يا رسول الله أليس هذا ضيفنا ؟ فقال : بلى ولكنه أكل في معي مؤمن الليلة ، وأكل قبل ذلك في معي كافر ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معي واحدة .

قال أبو عمر : وهذا أيضا لفظ عموم والمراد به الخصوص ، فكأنه قال هذا إذ كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء ، فلما آمن عوفي وبورك له في نفسه ، فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه إذ كان كافرا خصوصا له ، والله أعلم ، فكان قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، إشارة إليه كأنه قال : هذا الكافر وكذلك المؤمن يأكل في معي واحد - يعني هذا المؤمن - والله أعلم .

وقد قال الله عز وجل : ( الذين قال لهم الناس ) وهو يريد رجلا فيما قال أهل العلم بتأويل القرآن : وقيل رجلان ( إن الناس قد جمعوا لكم ) يعني قريشا ، فجاء بلفظ عموم ، ومعناه الخصوص ، ومثله ( تدمر كل شيء ) ، و ما تذر من شيء [ ص: 56 ] كل هذا عموم يراد به الخصوص ، ومثل هذا كثير في القرآن ولسان العرب ، وفي هذا الحديث دليل على ذم الأكول الذي لا يشبع ، وأنها خلة مذمومة ، وصفة غير محمودة ، وأن القلة من الأكل أحمد وأفضل ، وصاحبها عليها ممدوح ، وإن كان الأمر كله لله ، وبيده ، وخلقه ، وصنعه لا شريك له ، والحمد لله رب العالمين .




الخدمات العلمية