الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              في الحلف على الأكل والشرب مع ذكر ما يتناوله بعض المأكولات ، لو ( حلف لا يأكل ) رءوس الشوى اختص بالغنم كما قاله الأذرعي

                                                                                                                              أو لا يأكل [ ص: 34 ] ( الرءوس ) أو لا يشتريها مثلا ( ولا نية له حنث برءوس ) ، بل أو رأس أو بعضه خلافا لما أفهمه كلامه ، وإن صرح به ابن القطان ، فقد قال الأذرعي : إن ظاهر كلامهم أو صريحه أن المراد الجنس ( تباع وحدها ) أي : من شأنها ذلك وافق عرف بلد الحالف أو لا ، وهي رءوس الغنم وكذا الإبل والبقر ؛ لأن ذلك هو المتعارف ( لا طير ) وخيل ( وحوت وصيد ) بري أو بحري كالظباء ؛ لأنها لا تفرد بالبيع فلا تفهم من اللفظ عند الإطلاق ( إلا ) إن كان الحالف ( ببلد ) أي : من أهل بلد علم أنها ( تباع فيه مفردة ) عن أبدانها ، وإن حلف خارجه كما رجحه البلقيني ؛ لأنه يسبق إلى فهمه عرف بلده فيحنث بأكلها فيه قطعا ؛ لأنها حينئذ كرءوس الأنعام لا في غيره ، كما صححه في تصحيح التنبيه [ ص: 35 ] واعتمده البلقيني ، وصرح به جمع متقدمون ، لكن الأقوى في الروضة كالشرحين الحنث ، وخرج بلا نية له ما لو نوى شيئا من ذلك فإنه يعمل به ، وإنما اتبع هنا العرف وفي البيت اللغة كما مر عملا بالقاعدة أن اللغة متى شملت واشتهرت ولم يعارضها عرف أشهر منها اتبعت ، وهو الأصل فإن اختل أحد الأولين اتبع العرف إن اشتهر واطرد ، وإلا فقضية كلام ابن عبد السلام وغيره أنه يرجع إلى اللغة ، ومحله حيث لا قرينة ترشد للمقصود كما يعلم من كلامهم هنا وفي الطلاق .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              حلف لا يأكل الرءوس . ( قوله : أو بعضه ) ، قد يمنع أن جنس الرأس يوجد في بعض الرأس ( قوله [ ص: 34 ] أيضا أو بعضه ) ، قد يؤيد هذا حنث من حلف لا يأكل الرطب بأكل ما ترطب من المنصفة إلا أن يفرق بين الجمع والجنس ، وإن كان جمعا وفيه أن الجمع هنا حمل على الجنس بواسطة أل ، وقد يفرق بأن الرطبة مركبة من أجزاء متفقة فصدق الجنس على بعضها بخلاف الرأس . ( قوله : خلافا لما أفهمه كلامه ، وإن صرح به ابن القطان إلخ ) اعلم أن الذي أفتى به شيخنا الشهاب الرملي أنه إن عبر بالرءوس بأل حمل على الجنس وحنث برأس لا ببعض أو برءوسا بالتنكير لم يحنث إلا بثلاث ، كما لو حلف لا يتزوج النساء أو نساء فإنه يحنث بواحدة في الأول وبثلاث في الثاني ، وسئل عن قول الشيخين في أواخر باب الطلاق : أنه لو حلف لا يتزوج النساء أو نساء لم يحنث فيهما إلا بتزوج ثلاث مع ما في الأيمان من أنه يحنث بواحدة في النساء وبثلاث في نساء فأجاب بأن المعتمد في كل باب ما ذكر فيه ؛ لأن التصوير مختلف ا هـ فليحرر اختلاف التصوير المقتضي لهذا التفويت أو يفرق بين البابين أو يسوى بينهما ويمكن أن يفرق بين البابين بأن الطلاق يحتاط له ؛ لأن معناه قطع العصمة وهي محققة فلا تزال مع الشك فلهذا اعتبرت الثلاث في المعرف أيضا بخلاف الأيمان ، ولا يرد أن الأصل براءة الذمة من الكفارة فينبغي الاحتياط فيها أيضا ؛ لأن لزوم الكفارة حكم خارج عن معنى اليمين مرتب على الحنث بخلاف قطع العصمة فإنه نفس معنى الطلاق وقضية ذلك أنه لا فرق في الطلاق في مسألة الرءوس بين الرءوس ورءوسا أيضا في اعتبار الثلاث م ر .

                                                                                                                              ( قوله أي من أهل بلد ) تبع في ذلك متن المنهج ، وقد كتب شيخنا الشهاب المحقق البرلسي بهامش شرحه ما نصه اعلم أن رءوس الطير ونحوها إذا لم تبع في بلد من البلدان مفردة لا حنث بها على المشهور ، وإن تبع في بلد من البلدان حنث بأكلها فيه وهل يحنث بأكلها خارجها ؟ وجهان الأقوى في الروضة وأصلها [ ص: 35 ] نعم ، والمرجح في تصحيح التنبيه الثاني ، قال الزنكلوني وجه الأول أن العرف إذا ثبت في موضع عم كخبز الأرز ا هـ . ثم إذا قلنا بالثاني وقصرنا الحكم على البلد فهل المعتبر البلد نفسها أو أن يكون الشخص الحالف من أهلها وجهان رجح البلقيني الثاني هذا ما فهمته في الروضة وأصلها وغيرهما في هذا المقام وبه يعلم أن صنيع الشارح في هذا المقام واجب الإصلاح فتدبر والله الموفق . ثم رأيت الجوجري في شرح الإرشاد صرح بعين ما قلته وقولي ثم إذا قلنا بالثاني إلخ كذلك يأتي على الأول بالنظر إلى القطع والخلاف ا هـ . ما كتبه شيخنا بحروفه ، وحاصله على الأول الذي هو الأقوى في الروضة وأصلها هو الحنث مطلقا ، سواء كان الحالف من أهل ذلك البلد أو لا حلف فيه أو خارجه أكل فيه أو خارجه في أي محل أو بلد ، وإن الوجهين في أن المعتبر البلد أو كون الحالف من أهلها مفرعان على الضعيف المقابل للأقوى المذكور خلافا لما وقع فيه الشارح تبعا لما في المنهج وغيره فتأمله .

                                                                                                                              ( قوله : واعتمده البلقيني ) عبارة شرح البهجة ومال إليه البلقيني قال : والأول يعني الأقوى في الروضة كالشرحين مقيد بما إذا انتشر العرف بحيث بلغ الحالف وغيره وإلا فلا حنث ا هـ . ثم رأيت في شرح الإرشاد عبر بإليه بقوله : ومال إليه البلقيني ثم رجحه في تصحيحه وقيد الأول بما إذا انتشر العرف إلخ . ( قوله : فإن اختل أحد الأولين اتبع العرف ) فيه أن الفرض أنه لم يعارضهما عرف فتأمله



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              في الحلف على الأكل والشرب ( قوله : في الحلف ) إلى قوله : وإنما اتبع في المغني إلا قوله : إن كان الحالف ، وقوله : أي : المتن تباع وفي النهاية إلا قوله : أو بعضه إلى المتن . ( قوله : مع ذكر ما يتناوله إلخ ) أي : وفيما يتبع ذلك كما لو حلف لا يكلم ذا الصبي إلخ ا هـ ع ش . ( قوله : اختص بالغنم ) أي ضأنا أو معزا وهل يشترط في الحنث بها كونها مشوية أو لا ؟ ويكون المعنى رءوس ما يشوى رءوسه أو الرءوس التي من شأنها أن تشوى فيه نظر والظاهر الثاني ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : أو لا يأكل الرءوس ) أي : أو الرأس ا هـ مغني . ( قوله : أي : [ ص: 34 ] أو لا يشتريها مثلا ) أي : بخلاف نحو لا يحملها أو لا يمسها أخذا مما مر آنفا فليراجع ا هـ رشيدي . ( قوله : أو بعضه ) وفاقا للمغني وخلافا للنهاية عبارته لا ببعضه على الأصح ؛ إذ المراد بلفظ الجمع هنا الجنس بخلاف ما لو قال : رءوسا فلا يحنث إلا بثلاثة ا هـ . أي : كاملة وفي أثناء عبارة شيخنا الزيادي فإن حلف بالله فرق بين الجمع والجنس وإن حلف بالطلاق فلا فرق بينهما فلا يحنث إلا بثلاث فيهما ع ش عبارة سم : اعلم أن الذي أفتى به شيخنا الشهاب الرملي أنه إن عبر بالرءوس بأل حمل على الجنس وحنث برأس لا ببعض رأس أو برءوسا بالتنكير لم يحنث إلا بثلاث كما لو حلف لا يتزوج النساء أو نساء فإنه يحنث بواحدة في الأول وبثلاث في الثاني بخلاف ما لو حلف بالطلاق أنه لا يتزوج نساء أو النساء فهو للجمع فيهما فلا حنث إلا بالثلاث ؛ لأن العصمة محققة فلا تزال بالشك ا هـ بأدنى تصرف وفي الزيادي ما يوافق إفتاء الشهاب الرملي .

                                                                                                                              ( قوله خلافا لما أفهمه إلخ ) عبارة المغني تنبيه قول المصنف حنث برءوس يقتضي أنه لا بد من أكل جمع من الرءوس وصرح به ابن القطان في فروعه ، وقال : لا بد من أكل ثلاثة منها ، لكن قال الأذرعي : إن ظاهر كلامهم إلخ حتى لو أكل رأسا أو بعضه حنث ا هـ وهذا هو الظاهر ا هـ . ( قوله : فقد قال : الأذرعي إلخ ) قد يمنع أن جنس الرأس يوجد في بعض الرأس ا هـ سم . ( قوله : وهي رءوس الغنم ) أي : قطعا ، وكذا الإبل والبقر أي : على الصحيح ا هـ مغني . ( قوله إن كان الحالف ببلد إلخ ) وفي سم بعد ذكره عن الشهاب المحقق البرلسي بهامش المنهج كلاما طويلا يرد به كلام المنهج ما نصه :

                                                                                                                              وحاصله على الأول الذي هو الأقوى في الروضة وأصلها هو الحنث مطلقا ، سواء كان الحالف من أهل ذلك البلد أو لا ، حلف فيه أو خارجه ، أكل فيه أو خارجه في أي محل أو بلد وأن الوجهين في أن المعتبر البلد أو كون الحالف من أهلها مفرعان على الضعيف المقابل للأقوى المذكور خلافا لما وقع فيه الشارح تبعا لما في المنهج وغيره ا هـ . وفي المغني ، وكذا في ع ش عن سم على المنهج عن م ر ما يوافق ذلك الحاصل من الحنث مطلقا ، عبارة الرشيدي قوله : أي : من أهل بلد إلخ هذا واجب الإصلاح كما نبه عليه الشهاب عميرة فيما كتبه على شرح المنهج ونقله عن ابن قاسم على التحفة محصله أنه مبنى الضعيف وهو أن الرءوس إذا بيعت في بلد حنث بأكلها الحالف من أهل تلك البلدة خاصة ، والصحيح عدم الاختصاص ؛ لأن العرف إذا ثبت في موضع عم ا هـ . وعبارة الحلبي قوله : إلا إن كان الحالف من بلد إلخ المعتمد أنه لا تقييد بذلك ، بل لو كان من غيرها كان كذلك فمتى بيعت مفردة في محل حنث الحالف مطلقا كرءوس النعم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لا في غيره إلخ ) عبارة النهاية وظاهر [ ص: 35 ] كلامه عدم حنثه بأكلها في غير ذلك البلد وصححه في تصحيح التنبيه ، لكن أقوى الوجهين في الشرحين والروضة الحنث وقالا : إنه الأقرب إلى ظاهر النص وهو المعتمد ا هـ . وفي المغني ما يوافقهما بزيادة ( قوله : لكن الأقوى في الروضة كالشرحين الحنث ) وهو الظاهر ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله : بلا نية له ) أي : بقوله ولا نية له ا هـ نهاية . ( قوله : ما لو نوى إلخ ) ولو نوى مسمى الرأس حنث بكل رأس ، وإن لم يبع وحده مغني ونهاية . ( قوله : فإن اختل إلخ ) فيه إن الفرض أنه لم يعارضها عرف فتأمله ا هـ سم . ( قوله : أحد الأولين ) أي : شمول اللغة أو اشتهارها . ( قوله : ومحله ) أي : الرجوع إلى اللغة




                                                                                                                              الخدمات العلمية