الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 122 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : والله سميع عليم ، حين همت طائفتان منكم أن تفشلا .

والطائفتان اللتان همتا بالفشل ، ذكر لنا أنهم بنو سلمة وبنو حارثة . [ ص: 166 ]

ذكر من قال ذلك :

7720 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، قال : بنو حارثة ، كانوا نحو أحد ، وبنو سلمة نحو سلع ، وذلك يوم الخندق .

قال أبو جعفر : وقد دللنا على أن ذلك كان يوم أحد فيما مضى ، بما فيه الكفاية عن إعادته .

7721 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، الآية ، وذلك يوم أحد ، والطائفتان : بنو سلمة وبنو حارثة ، حيان من الأنصار ، هموا بأمر فعصمهم الله من ذلك . قال قتادة : وقد ذكر لنا أنه لما أنزلت هذه الآية قالوا : ما يسرنا أنا لم نهم بالذي هممنا به ، وقد أخبرنا الله أنه ولينا .

7722 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " إذ همت طائفتان منكم الآية ، وذلك يوم أحد ، فالطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة ، حيان من الأنصار . فذكر مثل قول قتادة .

7723 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل ، وقد وعدهم الفتح إن صبروا . فلما رجع عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلاثمائة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم ، فلما غلبوه وقالوا له : ما نعلم قتالا ولإن أطعتنا لترجعن معنا وقال [ الله عز وجل ] : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، وهم بنو سلمة وبنو حارثة هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي ، فعصمهم [ ص: 167 ] الله ، وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة .

7724 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عكرمة : نزلت في بني سلمة من الخزرج ، وبني حارثة من الأوس ، ورأسهم عبد الله بن أبي ابن سلول .

7725 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، فهو بنو حارثة وبنو سلمة .

7726 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، والطائفتان : بنو سلمة من جشم بن الخزرج ، وبنو حارثة من النبيت من الأوس ، وهما الجناحان .

7727 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " الآية ، قال : هما طائفتان من الأنصار هما أن يفشلا فعصمهم الله ، وهزم عدوهم .

7728 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، قال : هم بنو سلمة وبنو حارثة ، وما نحب أن لو لم نكن هممنا لقول الله عز وجل : "والله وليهما " . .

7729 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول ، فذكر نحوه . [ ص: 168 ]

7730 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " ، قال : هذا يوم أحد .

وأما قوله : "أن تفشلا " ، فإنه يعني : هما أن يضعفا ويجبنا عن لقاء عدوهما .

يقال منه : "فشل فلان عن لقاء عدوه ويفشل فشلا " ، كما : -

7731 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : "الفشل " ، الجبن .

قال أبو جعفر : وكان همهما الذي هما به من الفشل ، الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حين انصرف عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بمن معه ، جبنا منهم ، من غير شك منهم في الإسلام ولا نفاق ، فعصمهم الله مما هموا به من ذلك ، ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجهه الذي مضى له ، وتركوا عبد الله بن أبي ابن سلول والمنافقين معه ، فأثنى الله عز وجل عليهما بثبوتهما على الحق ، وأخبر أنه وليهما وناصرهما على أعدائهما من الكفار ، كما :

7732 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "والله وليهما " ، أي : المدافع عنهما ما همتا به من فشلهما . وذلك أنه إنما كان ذلك منهما عن ضعف ووهن أصابهما ، من غير شك أصابهما في دينهما ، فتولى دفع ذلك عنهما برحمته وعائدته حتى سلمتا من وهنهما وضعفهما ، ولحقتا بنبيهما صلى الله عليه وسلم . يقول : " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ، أي : من كان به ضعف من المؤمنين أو وهن ، [ ص: 169 ] فليتوكل علي ، وليستعن بي أعنه على أمره ، وأدفع عنه ، حتى أبلغ به وأقويه على نيته .

قال أبو جعفر : وذكر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقرأ : ( والله وليهم ) وإنما جاز أن يقرأ ذلك كذلك ، لأن "الطائفتين " وإن كانتا في لفظ اثنين ، فإنهما في معنى جماع ، بمنزلة "الخصمين " و "الحزبين " .

التالي السابق


الخدمات العلمية