الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ثقل ]

                                                          ثقل : الثقل : نقيض الخفة . والثقل : مصدر الثقيل ، تقول : ثقل الشيء ثقلا وثقالة ، فهو ثقيل ، والجمع ثقال . والثقل : رجحان الثقيل . والثقل : الحمل الثقيل ، والجمع أثقال ، مثل حمل وأحمال . وقوله تعالى : وأخرجت الأرض أثقالها ; أثقالها : كنوزها وموتاها ; قال الفراء : لفظت ما فيها من ذهب أو فضة أو ميت ; وقيل : معناه أخرجت موتاها ، قالوا : أثقالها أجساد بني آدم ; وقيل : معناه ما فيها من كنوز الذهب والفضة ، قال : وخروج الموتى بعد ذلك ، ومن أشراط الساعة أن تقيء الأرض أفلاذ كبدها وهي الكنوز ; وقول الخنساء :


                                                          أبعد ابن عمرو من آل الشري د حلت به الأرض أثقالها

                                                          إنما أرادت حلت به الأرض موتاها أي : زينتهم بهذا الرجل الشريف الذي لا مثل له من الحلية . وكانت العرب تقول : الفارس الجواد ثقل على الأرض ، فإذا قتل أو مات سقط به عنها ثقل ، وأنشد بيت الخنساء أي : لما كان شجاعا سقط بموته عنها ثقل . والثقل : الذنب ، والجمع كالجمع . وفي التنزيل : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ; وهو مثل ذلك يعني أوزارهم وأوزار من أضلوا وهي الآثام . وقوله تعالى : وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ; يقول : إن دعت نفس داعية أثقلتها ذنوبها إلى حملها أي : إلى ذنوبها ليحمل عنها شيئا من الذنوب ، لم تجد ذلك وإن كان المدعو ذا قربى منها . وقوله - عز وجل - : ثقلت في السماوات والأرض ; قيل : المعنى ثقل علمها على أهل السماوات والأرض ; وقال أبو علي : ثقلت في السماوات والأرض خفيت ، والشيء إذا خفي عليك ثقل . والتثقيل : ضد التخفيف ، وقد أثقله الحمل . وثقل الشيء : جعله ثقيلا ، وأثقله : حمله ثقيلا . وفي التنزيل العزيز : فهم من مغرم مثقلون . واستثقله : رآه ثقيلا . وأثقلت المرأة فهي مثقل : ثقل حملها في بطنها ، وفي المحكم : ثقلت واستبان حملها . وفي التنزيل العزيز : فلما أثقلت دعوا الله ربهما ; أي : صارت ذات ثقل كما تقول : أتمرنا أي : صرنا ذوي تمر . وامرأة مثقل - بغير هاء - : ثقلت من حملها . وقوله - عز وجل - : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ; يعني الوحي الذي أنزله الله عليه - صلى الله عليه وسلم - جعله ثقيلا من جهة عظم قدره وجلالة خطره ، وأنه ليس بسفساف الكلام الذي يستخف به ، فكل شيء نفيس وعلق خطير فهو ثقل وثقيل وثاقل ، وليس معنى قوله : قولا ثقيلا بمعنى الثقيل الذي يستثقله الناس فيتبرمون به ; وجاء في التفسير : أنه ثقل العمل به ; لأن الحرام والحلال والصلاة والصيام وجميع ما أمر الله به أن يعمل لا يؤديه أحد إلا بتكلف يثقل ; ابن سيده : قيل : معنى الثقيل ما يفترض عليه فيه من العمل لأنه ثقيل ، وقيل : إنما كنى به عن رصانة القول وجودته ; قال الزجاج : يجوز على مذهب أهل اللغة أن يكون معناه أنه قول له وزن في صحته وبيانه ونفعه ، كما يقال : هذا الكلام رصين ; وهذا قول له وزن إذا كنت تستجيده وتعلم أنه قد وقع موقع الحكمة والبيان ; وقوله :


                                                          لا خير فيه غير أن لا يهتدي     وأنه ذو صولة في المذود
                                                          وأنه غير ثقيل في اليد

                                                          إنما يريد أنك إذا بللت به لم يصر في يدك منه خير فيثقل في يدك . ومثقال الشيء : ما آذن وزنه فثقل ثقله . وفي التنزيل العزيز : يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ، برفع مثقال مع علامة التأنيث في تك ; لأن مثقال حبة راجع إلى معنى الحبة فكأنه قال : إن تك حبة من خردل . التهذيب : المثقال وزن معلوم قدره ، ويجوز نصب المثقال ورفعه ، فمن رفعه رفعه بتك ، ومن نصب جعل في تك اسما مضمرا مجهولا مثل الهاء في قوله - عز وجل - : إنها إن تك ، قال : وجاز تأنيث تك ، والمثقال ذكر ; لأنه مضاف إلى الحبة ، والمعنى للحبة فذهب التأنيث إليها كما قال الأعشى :


                                                          كما شرقت صدر القناة من الدم

                                                          ويقال : أعطه ثقله أي : وزنه . ابن الأثير : وفي الحديث : لا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان . المثقال في الأصل : مقدار من الوزن أي شيء كان من قليل أو كثير ، فمعنى مثقال ذرة وزن ذرة ، والناس يطلقونه في العرف على الدينار خاصة ، وليس كذلك ; قال محمد بن المكرم : قول ابن الأثير : الناس يطلقونه في العرف على الدينار خاصة ، قول فيه تجوز ، فإنه إن كان عنى شخص الدينار فالشخص منه قد يكون مثقالا وأكثر وأقل ، وإن كان عنى المثقال الوزن المعلوم ، فالناس يطلقون ذلك على الذهب وعلى العنبر وعلى المسك وعلى الجوهر وعلى أشياء كثيرة قد صار وزنها بالمثاقيل ، معهودا كالترياق ، والراوند وغير ذلك . وزنة المثقال هذا المتعامل به الآن : درهم واحد وثلاثة أسباع درهم على التحرير ، يوزن به ما اختير وزنه به ، وهو بالنسبة إلى رطل مصر الذي يوزن به عشر عشر رطل . وقال ابن سيده في [ ص: 30 ] معنى قوله : إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله قال : المعنى أن فعلة الإنسان وإن صغرت ، فهي في علم الله تعالى يأتي بها . والمثقال : واحد مثاقيل الذهب . قال الأصمعي : دينار ثاقل إذا كان لا ينقص ، ودنانير ثواقل ; ومثقال الشيء : ميزانه من مثله . وقولهم : ألقى عليه مثاقيله أي : مؤنته وثقله ; حكاه أبو نصر ; قلت : وكذلك قول أبي نصر واحد مثاقيل الذهب كان الأولى أن يقول واحد مثاقيل الذهب وغيره ، وإلا فلا وجه للتخصيص . والمثقلة : رخامة يثقل بها البساط . وامرأة ثقال : مكفال ، وثقال : رزان ذات مآكم وكفل على التفرقة ، فرقوا بين ما يحمل وبين ما ثقل في مجلسه فلم يخف ، وكذلك الرجل ، ويقال : فيه ثقل ، وهو ثاقل ; قال كثير عزة :


                                                          وفيك ابن ليلى عزة وبسالة     وغرب وموزون من الحلم ثاقل

                                                          وقد يكون هذا على النسب أي : ذو ثقل . وبعير ثقال : بطيء ; وبه فسر أبو حنيفة قول لبيد :


                                                          فبات السيل يحفر جانبيه     من البقار كالعمد الثقال

                                                          وثقل الشيء يثقله بيده ثقلا : راز ثقله . وثقلت الشاة أيضا أثقلها ثقلا : رزنتها ، وذلك إذا رفعتها لتنظر ما ثقلها من خفتها . وتثاقل عنه : ثقل . وفي التنزيل العزيز : اثاقلتم إلى الأرض ; وعداه بإلى ; لأن فيه معنى ملتم . وحكى النضر بن شميل : ثقل إلى الأرض أخلد إليها واطمأن فيها ، فإذا صح ذلك تعدى اثاقلتم في قوله - عز وجل - : اثاقلتم إلى الأرض بإلى ، بغير تأويل يخرجه عن بابه . وتثاقل القوم : استنهضوا لنجدة فلم ينهضوا إليها . والتثاقل : التباطؤ من التحامل في الوطء ، يقال : لأطأنه وطء المتثاقل . والثقل - بالتحريك - : المتاع والحشم ، والجمع أثقال ; وفي التهذيب : الثقل متاع المسافر وحشمه ; وأنشد ابن بري :


                                                          لا ضفف يشغله ولا ثقل

                                                          وفي حديث ابن عباس : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثقل من جمع بليل . وفي حديث السائب بن زيد : حج به في ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وثقلة القوم - بكسر القاف - : أثقالهم . وارتحل القوم بثقلتهم وثقلتهم وثقلتهم وثقلتهم وثقلتهم أي : بأمتعتهم وبأثقالهم كلها . الكسائي : الثقلة أثقال القوم - بكسر القاف ، وفتح الثاء ، وقد يخفف - فيقال الثقلة . والثقلة أيضا : ما وجد الرجل في جوفه من ثقل الطعام . ووجد في جسده ثقلة أي : ثقلا وفتورا . وثقل الرجل ثقلا فهو ثقيل وثاقل : اشتد مرضه ، يقال : أصبح فلان ثاقلا أي : أثقله المرض ، قال لبيد :


                                                          رأيت التقى والحمد خير تجارة     رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا

                                                          أي : ثقيلا من المرض قد أدنفه وأشرف على الموت ، ويروى ناقلا أي : منقولا من الدنيا إلى الأخرى ، وقد أثقله المرض والنوم . والثقلة : نعسة غالبة . والمثقل : الذي قد أثقله المرض . والمستثقل : الثقيل من الناس . والمستثقل : الذي أثقله النوم وهي الثقلة . وثقل العرفج والثمام والضعة : أدبى وتروت عيدانه . وثقل سمعه : ذهب بعضه ، فإن لم يبق منه شيء قيل : وقر . والثقلان : الجن والإنس . وفي التنزيل العزيز : سنفرغ لكم أيها الثقلان ; وقال لكم ; لأن الثقلين وإن كان بلفظ التثنية فمعناه الجمع ; وقول ذي الرمة :


                                                          ومية أحسن الثقلين وجها     وسالفة وأحسنه قذالا

                                                          فمن رواه أحسنه بإفراد الضمير فإنه أفرده مع قدرته على جمعه ; لأن هذا موضع يكثر فيه الواحد ، كقولك : مية أحسن إنسان وجها وأجمله ، ومثله قولهم : هو أحسن الفتيان وأجمله ; لأن هذا موضع يكثر فيه الواحد كما قلنا ، فكأنك قلت : هو أحسن فتى في الناس وأجمله ، ولولا ذلك لقلت : وأجملهم ، حملا على الفتيان . التهذيب : وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في آخر عمره : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، فجعلهما كتاب الله - عز وجل - وعترته ، وقد تقدم ذكر العترة . وقال ثعلب : سميا ثقلين ; لأن الأخذ بهما ثقيل ، والعمل بهما ثقيل ، قال : وأصل الثقل أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون ثقل ، فسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما ، وتفخيما لشأنهما ، وأصله في بيض النعام المصون ; وقال ثعلبة بن صعير المازني يذكر الظليم والنعامة :


                                                          فتذكرا ثقلا رثيدا بعدما     ألقت ذكاء يمينها في كافر

                                                          ويقال للسيد العزيز : ثقل من هذا ، وسمى الله تعالى الجن والإنس الثقلين سميا ثقلين لتفضيل الله تعالى إياهما على سائر الحيوان المخلوق في الأرض بالتمييز والعقل الذي خصا به ; قال ابن الأنباري : قيل للجن والإنس الثقلان ; لأنهما كالثقل للأرض وعليها . والثقل بمعنى الثقل ، وجمعه أثقال ، ومجراهما مجرى قول العرب مثل ومثل ، وشبه وشبه ، ونجس ونجس . وفي حديث سؤال القبر : يسمعها من بين المشرق والمغرب إلا الثقلين ; الثقلان : الإنس والجن ; لأنهما قطان الأرض .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية