الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ها أنتم ، أيها المؤمنون ، الذين تحبونهم ، يقول : تحبون هؤلاء الكفار الذين نهيتكم عن اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين ، فتودونهم وتواصلونهم وهم لا يحبونكم ، بل يبطنون لكم العداوة والغش " وتؤمنون بالكتاب كله " .

ومعنى "الكتاب " في هذا الموضع معنى الجمع ، كما يقال : "كثر الدرهم في أيدي الناس " ، بمعنى الدراهم .

فكذلك قوله : " وتؤمنون بالكتاب كله " ، إنما معناه : بالكتب كلها ، [ ص: 149 ] كتابكم الذي أنزل الله إليكم ، وكتابهم الذي أنزله إليهم ، وغير ذلك من الكتب التي أنزلها الله على عباده .

يقول تعالى ذكره : فأنتم إذ كنتم ، أيها المؤمنون ، تؤمنون بالكتب كلها ، وتعلمون أن الذين نهيتكم عن أن تتخذوهم بطانة من دونكم كفار بذلك كله ، بجحودهم ذلك كله من عهود الله إليهم ، وتبديلهم ما فيه من أمر الله ونهيه أولى بعداوتكم إياهم وبغضائهم وغشهم ، منهم بعداوتكم وبغضائكم ، مع جحودهم بعض الكتب وتكذيبهم ببعضها . كما : -

7695 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وتؤمنون بالكتاب كله " ، أي : بكتابكم وكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك ، وهم يكفرون بكتابكم ، فأنتم أحق بالبغضاء لهم ، منهم لكم .

قال أبو جعفر : وقال : " ها أنتم أولاء " ولم يقل : "هؤلاء أنتم " ، ففرق بين "ها و "أولاء " بكناية اسم المخاطبين ، لأن العرب كذلك تفعل في "هذا " إذا أرادت به التقريب ومذهب النقصان الذي يحتاج إلى تمام الخبر ، وذلك مثل [ ص: 150 ] أن يقال لبعضهم : أين أنت " ، فيجيب المقول ذلك له . "ها أنا ذا " فتفرق بين التنبيه و "ذا " بمكني اسم نفسه ، ولا يكادون يقولون : "هذا أنا " ، ثم يثنى ويجمع على ذلك . وربما أعادوا حرف التنبيه مع : "ذا " فقالوا : "ها أنا هذا " . ولا يفعلون ذلك إلا فيما كان تقريبا ، فأما إذا كان على غير التقريب والنقصان قالوا : "هذا هو " "وهذا أنت " . وكذلك يفعلون مع الأسماء الظاهرة ، يقولون : "هذا عمرو قائما " ، إن كان "هذا " تقريبا . وإنما فعلوا ذلك في المكني مع التقريب ، تفرقة بين "هذا " إذا كان بمعنى الناقص الذي يحتاج إلى تمام ، وبينه إذا كان بمعنى الاسم الصحيح .

وقوله : "تحبونهم " خبر للتقريب .

قال أبو جعفر : وفي هذه الآية إبانة من الله عز وجل عن حال الفريقين - أعني المؤمنين والكافرين ، ورحمة أهل الإيمان ورأفتهم بأهل الخلاف لهم ، وقساوة قلوب أهل الكفر وغلظتهم على أهل الإيمان ، كما : - [ ص: 151 ]

7696 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله " ، فوالله إن المؤمن ليحب المنافق ويأوي له ويرحمه . ولو أن المنافق يقدر على ما يقدر عليه المؤمن منه ، لأباد خضراءه .

7697 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : المؤمن خير للمنافق من المنافق للمؤمن ، يرحمه . ولو يقدر المنافق من المؤمن على مثل ما يقدر المؤمن عليه منه ، لأباد خضراءه .

وكان مجاهد يقول : نزلت هذه الآية في المنافقين .

7698 - حدثني بذلك محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية