الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا .

                                                                                                                                                                                                                                      الهمزة في قوله تعالى : أفحسب للإنكار والتوبيخ ، وفي الآية حذف دل المقام عليه ، قال بعض العلماء : تقدير المحذوف هو : أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ، ولا أعاقبهم العقاب الشديد ! كلا ! بل سأعاقبهم على ذلك العقاب الشديد ، بدليل قوله تعالى بعده : إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا [ 18 \ 102 ] ، وقال بعض العلماء : تقديره : أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء وأن ذلك ينفعهم ، كلا لا ينفعهم بل يضرهم ، ويدل لهذا قوله تعالى عنهم : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [ 39 \ 3 ] ، وقولـه عنهم : ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله [ 10 \ 18 ] ، ثم إنه تعالى بين بطلان ذلك بقوله : قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون [ 10 \ 18 ] ، وما أنكره عليهم هنا من ظنهم أنهم يتخذون من دونه أولياء من عباده ولا يعاقبهم ، أو أن ذلك ينفعهم جاء مبينا في مواضع ، كقوله في أول سورة " الأعراف " : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء [ 7 \ 3 ] ، فقد نهاهم عن اتباع الأولياء من دونه في هذه الآية ; لأنه يضرهم ولا ينفعهم ، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن من الأدلة على أنه لا ولي من دون الله لأحد ، وإنما الموالاة في الله ، كقوله : أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي الآية [ 18 \ 26 ] ، وقولـه : ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون [ 11 \ 113 ] ، وقولـه : ومن يضلل الله فما له من ولي الآية [ 42 \ 44 ] ، وقولـه : وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي الآية [ 6 \ 51 ] ، وقولـه : وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ، ونحو ذلك من الآيات ، وسيأتي له قريبا إن شاء الله تعالى زيادة إيضاح وأمثلة .

                                                                                                                                                                                                                                      والأظهر المتبادر من الإضافة في قوله : " عبادي " أن المراد بهم نحو الملائكة [ ص: 349 ] وعيسى وعزير ، لا الشياطين ونحوهم ; لأن مثل هذه الإضافة للتشريف غالبا ، وقد بين تعالى : أنهم لا يكونون أولياء لهم في قوله : ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم الآية [ 34 \ 40 - 41 ] ، وقولـه : إنا أعتدنا [ 18 \ 102 ] ، قد أوضحنا معناه في قوله تعالى : إنا أعتدنا للظالمين نارا الآية [ 18 \ 29 ] ، فأغنى عن إعادته هنا ، وفي قوله : نزلا أوجه من التفسير للعلماء ، أظهرها : أن " النزل " هو ما يقدم للضيف عند نزوله ، والقادم عند قدومه ، والمعنى : أن الذي يهيأ لهم من الإكرام عند قدومهم إلى ربهم هو جهنم المعدة لهم ، كقوله : فبشرهم بعذاب أليم [ 84 \ 24 ] ، وقولـه : يغاثوا بماء كالمهل [ 18 \ 29 ] ، وقد قدمنا شواهده العربية في الكلام على قوله تعالى ، يغاثوا بماء كالمهل ; لأن ذلك الماء الذي يشوي الوجوه ليس فيه إغاثة ، كما أن جهنم ليست نزل إكرام الضيف أو قادم .

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني : أن " نزلا " بمعنى المنزل ، أي : أعتدنا جهنم للكافرين منزلا ، أي : مكان نزول ، لا منزل لهم غيرها ، وأضعف الأوجه ما زعمه بعضهم من أن " النزل " جمع نازل ، كجمع الشارف على شرف بضمتين ، والذي يظهر في إعراب " نزلا " أنه حال مؤولة بمعنى المشتق ، أو مفعول لـ " أعتدنا " بتضمينه معنى صيرنا أو جعلنا ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية