الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ( 115 ) )

قال أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة الكوفة : ( وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ) ، جميعا ، ردا على صفة القوم الذين وصفهم جل ثناؤه بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .

وقرأته عامة قرأة المدينة والحجاز وبعض قرأة الكوفة بالتاء في الحرفين جميعا : " وما تفعلوا من خير فلن تكفروه " ، بمعنى : وما تفعلوا ، أنتم أيها المؤمنون ، من خير فلن يكفركموه ربكم .

وكان بعض قرأة البصرة يرى القراءتين في ذلك جائزا بالياء والتاء ، في الحرفين .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا : " وما يفعلوا من خير فلن يكفروه " ، بالياء في الحرفين كليهما ، يعني بذلك الخبر عن الأمة القائمة ، التالية آيات الله .

وإنما اخترنا ذلك ، لأن ما قبل هذه الآية من الآيات ، خبر عنهم . فإلحاق هذه الآية إذ كان لا دلالة فيها تدل على الانصراف عن صفتهم بمعاني الآيات قبلها ، أولى من صرفها عن معاني ما قبلها . وبالذي اخترنا من القراءة كان ابن عباس يقرأ .

7664 - حدثني أحمد بن يوسف التغلبي قال : حدثنا القاسم بن سلام قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن أبي عمرو بن العلاء قال : بلغني عن ابن عباس أنه كان يقرأهما جميعا بالياء . [ ص: 132 ]

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا ، على ما اخترنا من القراءة : وما تفعل هذه الأمة من خير ، وتعمل من عمل لله فيه رضى ، فلن يكفرهم الله ذلك ، يعني بذلك : فلن يبطل الله ثواب عملهم ذلك ، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم عليه ، ولكنه يجزل لهم الثواب عليه ، ويسني لهم الكرامة والجزاء .

وقد دللنا على معنى "الكفر " فيما مضى قبل بشواهده ، وأن أصله تغطية الشيء

فكذلك ذلك في قوله : " فلن يكفروه " ، فلن يغطى على ما فعلوا من خير فيتركوا بغير مجازاة ، ولكنهم يشكرون على ما فعلوا من ذلك ، فيجزل لهم الثواب فيه .

وبنحو ما قلنا في ذلك من التأويل تأول من تأول ذلك من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7665 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وما تفعلوا من خير فلن تكفروه " يقول : لن يضل عنكم .

7666 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله .

وأما قوله : " والله عليم بالمتقين " ، فإنه يقول تعالى ذكره : والله ذو علم بمن اتقاه ، لطاعته واجتناب معاصيه ، وحافظ أعمالهم الصالحة حتى يثيبهم عليها ويجازيهم بها ، تبشيرا منه لهم جل ذكره في عاجل الدنيا ، وحضا لهم على التمسك بالذي هم عليه من صالح الأخلاق التي ارتضاها لهم . [ ص: 133 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية