الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 50 ] باب إدراك الفريضة

( شرع فيها أداء ) خرج النافلة والمنذورة والقضاء فإنه لا يقطعها ( منفردا ثم أقيمت ) أي شرع في الفريضة في مصلاه ، [ ص: 51 ] لا إقامة المؤذن ولا الشروع في مكان وهو في غيره ( يقطعها ) لعذر إحراز الجماعة كما لو ندت دابته أو فار قدرها ، أو خاف ضياع درهم من ماله ، أو كان في النفل فجيء بجنازة وخاف فوتها قطعه لإمكان قضائه .

التالي السابق


باب إدراك الفريضة حقيقة هذا الباب مسائل شتى تتعلق بالفرائض في الأداء الكامل ، وكله مسائل الجامع بحر وفتح ومعراج .

أقول : وهو في الحقيقة تتميم لباب الإمامة ، ولذا ذكره صاحب الهداية في كتاب مختارات النوازل عقبه ، وترجمه بفصل إدراك الجماعة وفضيلتها .

( قوله خرج النافلة إلخ ) أي خرج بالفريضة النافلة والنذر ، وكذا بالأداء لأن الأداء كما سيذكره في الباب الآتي فعل الواجب في وقته ، فالنفل والنذر لا وقت لهما ، والقضاء فعله خارج وقته . قال ح : فقوله فيما سيأتي : والشارع في نفل لا يقطع مطلقا تصريح بالمفهوم .

( قوله والقضاء ) يعني إذا شرع في صلاة قضاء ثم شرع الإمام في الأداء فإنه لا يقطع ، وإنما حملناه على هذا لأنه إذا شرع في قضاء فرض فأقيمت الجماعة في ذلك الفرض بعينه يقطع كما ذكره في البحر بحثا وجزم به في إمداد الفتاح . ا هـ . ح .

أقول : وجزم به المقدسي أيضا ; وأما ما نقله عن البحر فلم أره فيه . والذي رأيته فيه معزيا للخلاصة : لو شرع في قضاء الفوائت ثم أقيمت لا يقطع كالنفل والمنذورة كالفائتة . ا هـ .

[ تنبيه ] لو خاف فوت جماعة الحاضرة قبل قضاء الفائتة ، فإن كان صاحب ترتيب قضى ، وإن لم يكن فهل يقضي ليكون الأداء على حسب ما وجب ، وليخرج من خلاف مالك فإن الترتيب لا يسقط عنده بالأعذار المذكورة عندنا ، أم يقتدي لإحراز فضيلة الجماعة مع جواز تأخير القضاء وإمكان تلافيه . قال الخير الرملي : لم أره ، ثم نقل عن الشافعية اختلاف الترجيح فيه . واستظهر الثاني .

قلت : ووجهه ظاهر لأن الجماعة واجبة عندنا أو في حكم الواجب ، ولذا يترك لأجلها سنة الفجر التي قيل عندنا بوجوبها ، ومراعاة خلاف الإمام مالك مستحبة ، فلا ينبغي تفويت الواجب لأجل المستحب .

( قوله أي شرع في الفريضة ) بالبناء للمجهول وفي الفريضة نائب الفاعل : أي شرع فيها الإمام وقدمنا في باب الإمامة أن الاقتداء بالفاسق والأعمى ونحوهما أولى من الانفراد ، وكذا بالمخالف الذي يراعي في الشروط والأركان . وعليه فيقطع ويقتدي به لأن العلة تحصيل فضيلة الجماعة ، فحيث حصلت بلا كراهة ، بأن لم يوجد من هو أولى منهم كان القطع والاقتداء أولى وقدمنا اختلاف المتأخرين فيما لو تعددت الجماعات وسبقت جماعة الشافعية فبعضهم على أن الصلاة مع أول جماعة أفضل ، وبعضهم على أن انتظار الاقتداء بالموافق أفضل بناء على كراهة الاقتداء بالمخالف لعدم مراعاته في الواجبات والسنن وإن راعى في الفروض واستظهرنا هناك عدم كراهة الاقتداء به ما لم يعلم منه مفسدا كما مال إليه الخير الرملي ، وأنه لو انتظر إمام مذهبه بعيدا عن الصفوف لم يكن إعراضا عن الجماعة للعلم بأنه يريد جماعة أكمل من هذه الجماعة فعلى هذا لو شرع في سنة الظهر يتمها أربعا حتى على قول الكمال الآتي .

بقي لو كان مقتديا بمن يكره الاقتداء به ثم شرع من لا كراهة فيه هل يقطع ويقتدي به ؟ استظهر ط أن الأول لو فاسقا لا يقطع ، ولو مخالفا وشك في مراعاته يقطع . [ ص: 51 ] أقول : والأظهر العكس ، لأن الثاني كراهته تنزيهية كالأعمى والأعرابي ، بخلاف الفاسق ; فإنه استظهر في شرح المنية أنها تحريمية لقولهم إن في تقديمه للإمامة تعظيمه وقد وجب علينا إهانته ، بل عند مالك ورواية عن أحمد : لا تصح الصلاة خلفه .

( قوله لا إقامة المؤذن إلخ ) مرفوع عطفا على معنى قوله شرع في الفريضة في مصلاه ، فكأنه قال المراد بالإقامة الشروع في الفريضة في مصلاه لا إقامة المؤذن إلخ ح أي فلا يقطع إذا أقام المؤذن وإن لم يقيد الركعة بالسجدة بل يتمها ركعتين كما في غاية البيان وغيره ، وكذا لو أقيمت في المسجد وهو في البيت أو في مسجد آخر لا يقطع مطلقا بحر : أي سواء قيد الركعة بسجدة أو لا ، وإن كان فيه إحراز ثواب الجماعة لأنه لا يوجد مخالفة الجماعة عيانا معراج : أي بخلاف ما إذا كانا في مسجد واحد فإن في عدم قطعها مخالفة الجماعة عيانا . وفيه إشارة إلى دفع ما أورده ط من أنهم صرحوا بطلب الجماعة في مسجد آخر إن فاتته فيما هو فيه وأن الجماعة واجبة ولم تقيد بمسجده وأن القطع للإكمال إكمال ، فلا يظهر الفرق .

وبيان الدفع أن الجماعة وإن كانت مطلوبة لا واجبة ، لكن عارض وجوبها حرمة القطع فسقط الوجوب ، وترجح القطع للإكمال إذا كان في عدم القطع مخالفة الجماعة عيانا لأن هذه المخالفة منهية أيضا فصار القطع أولى لذلك . أما إذا لم توجد المخالفة المذكورة يبقى الوجوب ساقطا بحرمة القطع لترجح الحاظر على المبيح وعدم ما يرجح جانب المبيح ، هذا ما ظهر لي فتدبره .

( قوله يقطعها ) قال في المنح : جاز نقض الصلاة منفردا لإحراز الجماعة . ا هـ . وظاهر التعليل الاستحباب ، وليس المراد بالجواز مستوي الطرفين . وقد يقال إن إحراز الجماعة واجب على أعدل الأقوال فيقتضي وجوب القطع ، وقد يقال إنه عارضه الشروع في العمل ط .

( قوله كما لو ندت إلخ ) أي هربت ، وأشار بذكر هذه المسائل هنا وإن تقدمت في مكروهات الصلاة قبيل قوله وكره استقبال القبلة إلى ما قالوا من أنه إذا جاز القطع فيها لحطام الدنيا ثم الإعادة من غير زيادة إحسان فجوازه لتحصيله على وجه أكمل أولى ، لأن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وفي رواية بسبع وعشرين درجة .

( قوله أو خاف ضياع درهم من ماله ) قال في الظهيرية : لم يفصل في الكتاب بين المال القليل والكثير ، وعامة المشايخ قدروه بدرهم . قال شمس الأئمة السرخسي هذا حسن لولا ما ذكر في كتاب الحوالة والكفالة أن للطالب حبس غريمه بالدانق فما فوقه ، فإذا جاز حبس المسلم بالدانق فجواز قطع الصلاة مع تمكنه من قضائها أولى . والصحيح أنه لا فصل بين ماله ومال غيره ا هـ .

( قوله لإمكان قضائه ) هذا التعليل يفيد جواز قطع الفرض للجنازة ح عن الإمداد .

قلت : عارضه : أن الفرض أقوى منها بخلاف النفل ط




الخدمات العلمية