الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل فيما روي في جامع دمشق من الآثار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما ورد في فضله من الأخبار ، عن جماعة من السادة الأخيار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روي عن قتادة أنه قال في قوله تعالى : والتين قال : هو مسجد دمشق . والزيتون قال : هو مسجد بيت المقدس . وطور سنين حيث كلم الله موسى وهذا البلد الأمين وهو مكة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونقل عثمان بن أبي العاتكة ، عن أهل العلم ، أنهم قالوا في قوله تعالى : والتين هو مسجد دمشق . رواه ابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 588 ] وقال صفوان بن صالح ، عن عبد الخالق بن زيد بن واقد ، عن أبيه ، عن عطية بن قيس الكلابي ، قال : قال كعب الأحبار : ليبنين في دمشق مسجد يبقى بعد خراب الدنيا أربعين عاما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الوليد بن مسلم ، عن عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم أبي عبد الرحمن ، قال : أوحى الله تعالى إلى جبل قاسيون أن هب ظلك وبركتك إلى جبل بيت المقدس . قال : ففعل ، فأوحى الله إليه : أما إذ فعلت فإني سأبني لي في حضنك بيتا أعبد فيه بعد خراب الدنيا أربعين عاما ، ولا تذهب الأيام والليالي حتى أرد عليك ظلك وبركتك . قال : فهو عند الله بمنزلة الرجل الضعيف المتضرع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال دحيم : حيطان المسجد الأربعة من بناء هود ، عليه السلام ، وما كان من الفسيفساء إلى فوق فهو من بناء الوليد بن عبد الملك يعني أنه رفع الجدار فعلاه من حد الرخام والكرمة إلى فوق . وقال غيره : إنما بنى هود الجدار القبلي فقط .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو بكر أحمد بن عبد الله بن الفرج ، المعروف بابن البرامي ، [ ص: 589 ] الدمشقي : ثنا إبراهيم بن مروان ، سمعت أحمد بن إبراهيم بن ملاس يقول : سمعت عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر قال : كان خارج باب الساعات صخرة يوضع عليها القربان ، فما تقبل منه جاءت نار فأكلته ، وما لم يتقبل منه بقي على حاله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وهذه الصخرة نقلت إلى داخل باب الساعات ، وهي موجودة إلى الآن ، وبعض العامة يزعم أنها الصخرة التي وضع عليها ابنا آدم قربانهما ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال هشام بن عمار : ثنا الحسن بن يحيى الخشني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به صلى في موضع مسجد دمشق . قال ابن عساكر : وهذا منقطع . قلت : ومنكر جدا ، ولا يثبت أيضا لا من هذا الوجه ، ولا من غيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو بكر البرامي : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الملك بن المغيرة المقرئ ، حدثني أبي ، عن أبيه ، أن الوليد بن عبد الملك تقدم إلى القوام ليلة من الليالي فقال : إني أريد أن أصلي الليلة في المسجد ، فلا تتركوا فيه أحدا حتى أصلي الليلة . ثم إنه أتى باب الساعات ، فاستفتح الباب ففتح له ، فإذا رجل [ ص: 590 ] قائم بين باب الساعات ، وباب الخضراء الذي يلي المقصورة يصلي ، وهو أقرب إلى باب الخضراء منه إلى باب الساعات ، فقال للقوام : ألم آمركم أن لا تتركوا أحدا الليلة يصلي في المسجد؟ فقال له بعضهم : يا أمير المؤمنين ، هذا الخضر عليه السلام ، يصلي كل ليلة في المسجد . في إسناد هذه الحكاية وصحتها نظر ، ولا يثبت بمثلها وجود الخضر بالكلية ، ولا صلاته في هذا المكان المذكور . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد اشتهر في الأعصار المتأخرة أن الزاوية القبلية عند باب المئذنة الغربية تسمى زاوية الخضر ، وما أدري ما سبب ذلك ، والذي ثبت بالتواتر صلاة الصحابة فيه ، وأول من صلى فيه إماما أبو عبيدة بن الجراح ، وهو أمير الأمراء بالشام ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأمين هذه الأمة ، وصلى فيه خلق من الصحابة ، لكن قبل أن يغيره الوليد إلى هذه الصفة ، فأما بعد أن غير إلى هذا الشكل فلم يره أحد من الصحابة كذلك إلا أنس بن مالك ، فإنه ورد دمشق سنة ثنتين وتسعين ، وهو يبني في هذا الجامع ، فصلى فيه أنس وراء الوليد ، وأنكر أنس على الوليد تأخير الصلاة إلى آخر وقتها ، كما قدمنا ذلك في ترجمة أنس عند ذكر وفاته سنة ثلاث وتسعين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسيصلي فيه عيسى ابن مريم إذا نزل في آخر الزمان ، إذا خرج الدجال [ ص: 591 ] وعمت البلوى به ، وانحصر الناس منه بدمشق ، فينزل مسيح الهدى فيقتل مسيح الضلالة ، ويكون نزوله على المنارة الشرقية بدمشق وقت صلاة الفجر ، فيأتي وقد أقيمت الصلاة ، فيقول له إمام الناس : تقدم يا روح الله . فيقول : إنما أقيمت لك . فيصلي عيسى تلك الصلاة خلف رجل من هذه الأمة . يقال إنه المهدي . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم يخرج عيسى بالناس ، فيدرك الدجال عند عقبة أفيق ، وقيل : بباب لد . فيقتله بيده هنالك . وقد ذكرنا ذلك مبسوطا عند قوله تعالى : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ( النساء : 159 ) ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم حكما مقسطا ، وإماما عادلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ولا يقبل إلا الإسلام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والمقصود أن عيسى عليه السلام ينزل والبلد محصن من الدجال ، ويكون نزوله على المنارة الشرقية بدمشق وهي هذه المنارة المبنية في زماننا من أموال النصارى; حيث أحرقوها فجددت من أموالهم ثم يكون نزول عيسى حتفا لهم ، وهلاكا ودمارا عليهم ، ينزل بين ملكين واضعا يديه على [ ص: 592 ] مناكبهما ، وعليه مهرودتان وفي رواية : ممصرتان يقطر رأسه ماء ، كأنما خرج من ديماس ، وذلك وقت الفجر ، فينزل من المنارة وقد أقيمت الصلاة وهذا إنما يكون في المسجد الأعظم بدمشق ، وهو هذا الجامع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما وقع في " صحيح مسلم " من رواية النواس بن سمعان الكلابي : فينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق كأنه والله أعلم مروي بالمعنى بحسب ما فهمه الراوي ، وإنما هو ينزل على المنارة الشرقية بدمشق ، وقد أخبرت - ولم أقف عليه إلا الآن - أنه كذلك في بعض ألفاظ هذا الحديث في بعض المصنفات ، والله المسئول المأمول أن يوفقني ، فيوقفني على هذه اللفظة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وليس في البلد منارة تعرف بالشرقية سوى هذه ، وهي بيضاء بنفسها ، ولا يعرف في بلاد الشام منارة أحسن منها ، ولا أبهى ولا أعلى منها ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية