الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم باب ميراث ذوي الأرحام

( قال رضي الله عنه ) : اعلم أن محمدا رحمه الله ذكر هذا الباب قبل باب الولاء وزعم بعض الفرضيين أنه كان ينبغي له أن يقدم باب الولاء لأن مولى النعمة عصبة مقدم على ذوي الأرحام لكنا نقول إنه أراد أن يبين أحكام الميراث بالقرابة ثم يرتب عليه بيان الميراث بما أقيم مقام القرابة أو لما بين باب الرد وكان الرد بسبب الرحم أعقب ذلك بباب ميراث ذوي الأرحام ; لأن الاستحقاق هنا بالرحم كما أن هناك بالرحم والولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة وولاء الموالاة يتأخر عن ذوي الأرحام فلهذا قدم هذا الباب ثم في توريث ذوي الأرحام اختلاف بين الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم

فمن قال بتوريثهم من الصحابة رضوان الله عليهم علي وابن مسعود وابن عباس في أشهر الروايات عنه ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو عبيدة بن الجراح ومن قال بأنهم لا يرثون زيد بن ثابت وابن عباس في رواية عنه ومنهم من روى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان ولكن هذا غير صحيح فإنه حكي أن المعتضد سأل أبا حازم القاضي عن هذه المسألة فقال أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير زيد بن ثابت على توريث ذوي الأرحام ولا يعتد بقوله بمقابلة إجماعهم . وقال المعتضد أليس إنه يروى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان ، فقال كلا وقد كذب من روى ذلك عنهم وأمر المعتضد برد ما كان في بيت المال مما أخذ من تركة من كان ورثه من ذوي الأرحام ، وقد صدق أبو حازم فيما قال ، وقد روي عن أبي بكر أنه قال : لا أتأسف على شيء كتأسفي على أني لم أسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث عن هذا الأمر أهو فينا فنتمسك به أم في غيرنا فنسلم إليه ، وعن الأنصار هل لهم من هذا الأمر شيء وعن توريث ذوي الأرحام فإني لم أسمع فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ولكني ورثتهم برأيي .

وأما الاختلاف بين التابعين فمن قال بتوريثهم شريح [ ص: 3 ] والحسن وابن سيرين وعطاء ومجاهد وممن قال إنهم لا يرثون سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير رضي الله عنهم وأما الفقهاء فممن قال بتوريثهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وعيسى بن أبان وأهل التنزيل رحمهم الله وممن قال لا يرثون سفيان الثوري ومالك والشافعي أما من نفى توريثهم استدل بآيات المواريث فقد نص الله تعالى فيها على بيان سبب أصحاب الفرائض والعصبات ولم يذكر لذوي الأرحام شيئا وما كان ربك نسيا وأدنى ما في الباب أن يكون توريث ذوي الأرحام زيادة على كتاب الله وذلك لا يثبت بخبر الواحد والقياس .

{ وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمة والخالة قال : نزل جبريل عليه السلام وأخبرني أن لا ميراث للعمة والخالة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يستخير الله تعالى في ميراث العمة والخالة فنزل عليه الوحي أن لا ميراث لهما } ومن قال بتوريثهم استدل بقوله تعالى { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } معناه بعضهم أولى من بعض ، وقد بينا أن هذا إثبات الاستحقاق بالوصف العام وأنه لا منافاة بين الاستحقاق بالوصف العام والاستحقاق بالوصف الخاص ففي حق من ينعدم فيه الوصف الخاص يثبت الاستحقاق بالوصف العام فلا يكون ذلك زيادة على كتاب الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم { الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له } وفي حديث آخر قال عليه السلام { الخال وارث من لا وارث له يرثه ويعقل عنه } ولما مات ثابت بن الدحداح رضي الله عنه { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيس بن عاصم المنقري هل تعرفون له فيكم شيئا ، فقال : إنه كان فينا ميتا فلا نعرف له فينا إلا ابن أخت } فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه لابن أخته أي لخاله ابن عبد الله المنذر وتأويل ما روي من نفي ميراث العمة والخالة في حال وجود صاحب فرض أو عصبة والكلام في هذه المسألة من حيث المعنى للفريقين مثل الكلام في مسألة الرد ، وقد بينا ثم ذوي الأرحام الأقارب الذين لا يستحقون شيئا بالفريضة والعصوبة من الذكور والإناث

التالي السابق


الخدمات العلمية