الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويعذر في الجمعة والجماعة المريض ، ومن يدافع أحد الأخبثين ، أو بحضرة طعام هو محتاج إليه ، والخائف من ضياع ماله أو فواته ، أو ضرر فيه . أو موت قريبه ، أو على نفسه من ضرر ، أو سلطان ، أو ملازمة غريم ولا شيء معه ، أو فوات رفقته ، أو غلبة النعاس . أو الأذى بالمطر والوحل والريح الشديدة في الليلة الباردة المظلمة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ويعذر في ) ترك ( الجمعة والجماعة المريض ) لأنه عليه السلام لما مرض تخلف عن المسجد وقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس متفق عليه ، وسواء خاف طول المرض أو كثرته ، وكذا خوف حدوثه ، لما روى أبو داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر العذر بالخوف والمرض لكن إن لم يتضرر بإتيانها راكبا ومحمولا ، أو تبرع به أحد ، أو بأن يقود أعمى لزمته الجمعة ، وقيل : لا ، كالجماعة . نقل المروذي : في الجمعة يكتري ويركب ، وحمله القاضي على ضعف عقب المرض ، فأما مع المرض فلا يلزمه لبقاء العذر ، ويستثنى منه ما إذا كان في الجامع فتلزمه الجماعة ( ومن يدافع أحد الأخبثين ) لما تقدم ( أو بحضرة طعام هو محتاج إليه ) ويأكل حتى يشبع ، نص عليه ، لخبر أنس في " الصحيحين " وعنه : ما يكسر به نفسه ، إلا إن يخاف ضررا ، جزم به جماعة في الجمعة ، وذكر ابن حامد : إن بدأ بالطعام ثم أقيمت الصلاة ابتدر إلى الصلاة لحديث عمرو بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى الصلاة وهو يحتز من كتف شاة ، فأكل منها ، فقام وصلى . متفق عليه . قال في " الفروع " : ولعل مراده مع عدم الحاجة ; وهو ظاهر ( والخائف من ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه ) كمن يخاف على ماله من لص أو سلطان ، أو يخاف على بهيمة من سبع أو شرود ، [ ص: 96 ] وكمن له خبز في تنور ، أو طعام على نار ، أو ماء في زرع ، أو يخاف ضياع ماله ، أو إباق عبده ، أو يرجو وجدانهما في تلك الحال ، أو يكون مستأجرا على حفظ مال ، ونحو ذلك ; لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق ، وقال ابن عقيل : خوف فوت المال عذر في ترك الجمعة إذا لم يتعمد سببه ، بل حصل اتفاقا ( أو موت قريبه ) نص عليه ، أو تمريضه ، ونقل ابن منصور : وليس له من يخدمه ، وأنه لا يترك الجمعة ، وكذا إن خاف على أهله أو ولده ; لأن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد ; وهو يتجمر للجمعة ، فأتاه بالعقيق ، وترك الجمعة ، قال في " الشرح " : ولا نعلم في هذا خلافا ( أو ) يخاف ( على نفسه من ضرر ) كسبع أو سيل ، ونحوهما ( أو سلطان ) يأخذه ( أو ملازمة غريم ، ولا شيء معه ) يعطيه ; لأن حبس المعسر ظلم ، وكذا إن كان الدين مؤجلا ، وخشي أن يطالبه به قبل محله ، وظاهره أنه إذا قدر على أداء دينه فلا عذر للنص ، فإن وجب عليه حد لله تعالى أو لآدمي أو قصاص فمثله ; لأنه يتعين عليه وفاؤه ، لكن في القصاص إذا رجا العفو على مال وجهان ، أظهرهما أنه عذر حتى يصالح ; لأن الحدود لا تدخلها المصالحة ، بخلاف القصاص ( أو ) أراد سفرا مباحا إنشاء أو استدامة ، قاله ابن تميم وابن حمدان ، يخاف ( فوت رفقته ) لأن عليه في ذلك ضررا ( أو غلبة النعاس ) لأن رجلا صلى مع معاذ ، ثم انفرد فصلى وحده عند تطويل معاذ ، وخوف النعاس والمشقة ، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره ، وظاهره أنه يعذر بغلبته ، سواء خاف فوتها في الوقت أو مع الإمام ; وهو ظاهر " الشرح " ، وفي " الرعاية " أنه أشهر ، [ ص: 97 ] وقدمه في " الفروع " ، وظاهر " المستوعب " ، و " التلخيص " أنه يعذر إذا خاف فوتها مع الإمام فقط ، وذكر ابن تميم : يعذر في الجماعة لا الجمعة ، وقيل : لا فيهما ; وهو ظاهر " الكافي " ، وفي " المذهب " و " الوجيز " يعذر فيهما بخوفه نقض الوضوء بانتظاره ( أو الأذى بالمطر والوحل ) لأخبار منها ما في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير زاد مسلم : في يوم جمعة : إذا قلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، فلا تقل حي على الصلاة ، قل : صلوا في بيوتكم ، فعل ذلك من هو خير مني ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم إن الجمعة عزمة ، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض . وثلج وجليد ، وبرد كذلك ، وعنه : سفرا . فائدة : الوحل بتحريك الحاء ، والتسكين لغة رديئة . ( والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ) لقول ابن عمر : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر : صلوا في رحالكم متفق عليه ، ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح ، ولم يقل في السفر . وفي " الفروع " بريح باردة في ليلة مظلمة ، ولم يذكر بعضهم : مظلمة ، وعنه : أعذار في السفر قال الآمدي : الأعذار كالمطر والوحل والريح أعذار في السفر ، وفي الحضر روايتان ، وذكر أبو المعالي أن كل ما أذهب الخشوع كالحر المزعج عذر ، ولهذا جعله الأصحاب كالبرد في المنع من الحكم والإفتاء .

                                                                                                                          مسائل : يلحق بما تقدم إذا خاف تطويل الإمام كثيرا ، وليس رؤية البلة في طريقه عذرا ، نص عليه .

                                                                                                                          [ ص: 98 ] الثانية : يكره حضور المسجد من أكل بصلا أو فجلا ، أو نحوه حتى يذهب ريحه ، وعنه : يحرم ، وظاهره : ولو خلا المسجد من آدمي لتأذي الملائكة ، والمراد حضور الجماعة ، ولو لم يكن بمسجد ، ولو في غير صلاة ، وظاهره : أنه لا يخرج ، وجزم جماعة بخلافه ، لكن إن حرم دخوله وجب إخراجه ، وإلا استحب .

                                                                                                                          فائدة : يقطع الرائحة الكريهة مضغ السذاب أو السعد ، قاله بعض الأطباء .

                                                                                                                          الثالثة : إذا طرأ بعض الأعذار في الصلاة أتمها حقيقة إن أمكن ، وإلا خرج منها ، والمأموم يفارق إمامه ويتمها أو يخرج منها ، قال أبو الدرداء : من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ . رواه البخاري .




                                                                                                                          الخدمات العلمية