الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويستحب أن يصلي إلى سترة مثل آخرة الرحل ، فإن لم يجد خط خطا ، فإذا مر من ورائها شيء لم يكره ، وإن لم يكن سترة فمر بين يديه الكلب الأسود البهيم ، بطلت صلاته ، وفي المرأة والحمار روايتان .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويستحب أن يصلي إلى سترة ) مع القدرة عليها بغير خلاف نعلمه ، وظاهره لا فرق بين الحضر ، والسفر ، ولم يخش مارا لقوله عليه السلام : إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ، وليدن منها رواه أبو داود ، وابن ماجه من حديث أبي سعيد ، وفي " الواضح " يجب ، وهو بعيد ، ويشهد له ما رواه ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في فضاء ليس بين يديه شيء رواه أحمد ، وأبو داود ، والسترة : ما يستتر به ، ولو بخيط مطلقا ( مثل آخرة الرحل ) لقوله عليه السلام : إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فليصل ، ولا يبال من يمر وراء ذلك رواه مسلم ، وصلى في الكعبة ، وبينه ، وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع رواه أحمد ، والبخاري فإن كان في مسجد ، ونحوه قرب من الجدار ، أو فضاء [ ص: 490 ] فإلى شيء شاخص من شجرة أو بعير أو ظهر إنسان أو عصا ، لأنه عليه السلام صلى إلى حربة ، وإلى بعير رواه البخاري ، ويلقي العصا بين يديه عرضا ، لأنها في معنى الخط ، ويستحب انحرافه عنها قليلا لفعله عليه السلام رواه أحمد ، وأبو داود من حديث المقداد بإسناد لين ، قال عبد الحق : وليس إسناده بقوي ، لكن عليه جماعة من العلماء على ما ذكر ابن عبد البر ، ويكون بينه ، وبينها ثلاثة أذرع ، نص عليه ، وكلما دنا فهو أفضل للنص ، ولأنه أصون لصلاته ، وطولها ذراع ، نص عليه ، وعنه : مثل عظم الذراع ، وهذا على سبيل التقريب ؛ لأنه عليه السلام قدرها بمؤخرة الرحل ، وهو عود في مؤخره ضد قادمته ، والمراد به رحل البعير ، وهو أصغر من القتب ، والمؤخرة تختلف فتارة تكون ذراعا ، وتارة أقل ، وعلى كل حال يجزئ الاستتار بها ، وعرضها لا حد له ، لأنها قد تكون غليظة كالحائط ، ودقيقة كالسهم ، لكن قال أحمد : ما كان أعرض هو أعجب إلي ( فإن لم يجد خط خطا ) نص عليه ، وهو المذهب لقوله عليه السلام : إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ، فإن لم يجد فلينصب عصا ، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ، ولا يضره ما مر بين يديه رواه أحمد ، وأبو داود من حديث أبي هريرة ، وذكر الطحاوي أن فيه رجلا مجهولا ، وقال البيهقي : لا بأس به في مثل هذا ، وصفته كالهلال لا طولا ، لكن قال في " الشرح " : وكيفما خط أجزأه ، وعنه : يكره الخط ( فإذا مر من ورائها شيء لم يكره ) للأخبار السابقة ( فإن لم يكن له سترة فمر بين يديه ) قريبا ، ومرادهم ثلاثة أذرع ، فأقل من قدمه ، أو كانت تمر بينه وبينها ( الكلب الأسود البهيم ، بطلت صلاته ) بغير خلاف نعلمه في المذهب ، [ ص: 491 ] لقوله عليه السلام : إذا قام أحدكم فصلى فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فإن لم يكن ، فإنه يقطع صلاته المرأة ، والحمار ، والكلب الأسود رواه أحمد من حديث أبي ذر ، والأسود البهيم الذي لا لون فيه ، ذكره جماعة ، وعنه : أو بين عينيه بياض ، وصححه ابن تميم ، فإن كان فيه بياض في غير هذا الموضع فليس ببهيم رواية واحدة ، وخص البهيم به مع أنه ليس في الخبر ، لأنه شيطان .



                                                                                                                          مسألة : يباح قتل البهيم ، ذكره المؤلف ، وغيره لقوله عليه السلام : لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بهيم ، فإنه شيطان وذكر ابن تميم ، وغيره أنه يحرم اقتناؤه ( وفي المرأة ، والحمار ) الأهلي ( روايتان ) كذا أطلقهما في " المحرر " و " الفروع " إحداهما : لا تبطل ، نقلها الجماعة ، وهي ظاهر " الوجيز " لما روي أن زينب بنت أبي سلمة مرت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقطع صلاته رواه أحمد ، وابن ماجه بإسناد حسن ، وعن ابن عباس قال : أقبلت راكبا على حمار أتان ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بمنى إلى غير جدار ، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت ، وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر علي أحد ، وعن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل ، وأنا معترضة بينه ، وبين القبلة متفق عليهما ، والثانية : تبطل ، قدمه السامري ، وابن تميم ، ورجحه في " الشرح " للنص السابق ، وحديث عائشة لا حجة فيه ، لأن حكم الوقوف يخالف حكم المرور ، وحديث ابن عباس ليس فيه إلا أنه مر بين يدي بعض الصف ، وسترة الإمام سترة لمن خلفه ، وظاهره أنه لا يقطعها غير ما ذكر ، وهو المذهب ، وعنه : يقطعها شيطان ، قدمه ابن تميم وغيره ، وعنه : [ ص: 492 ] وسنور أسود ، وفي الصغيرة وجه ، وظاهره لا فرق بين الفرض ، والنفل ، وعنه : لا يبطل النفل ، وعنه : والجنازة .

                                                                                                                          فرع : وسترة مغصوبة ، ونجسة كغيرها قدمه في " الرعاية " وفيه وجه ، فالصلاة إليها كالقبر ، قال صاحب " النظم " : وعلى قياسه سترة الذهب ، قال في " الفروع " : ويتوجه منها لو وضع المارة سترة أو تستر بدابة جاز .



                                                                                                                          تذنيب : سترة الإمام سترة لمن خلفه ، ذكره الأصحاب ، وهو قول الفقهاء السبعة للأخبار ، ولا عكس ، فلا يستحب لمأموم سترة ، وليست سترة له ، ومعناه إذا مر ما يبطلها ، فظاهره أن هذا فيما يبطلها خاصة ، وأن كلامهم في نهي الآدمي عن المرور على ظاهره ، وكذا المصلي لا يدع شيئا بين يديه ، لأنه عليه السلام كان يصلي إلى سترة دون أصحابه ، وقال صاحب " النظم " : لم أر أحدا تعرض لجواز مرور الإنسان بين يدي المأمومين ، فيحتمل جوازه اعتبارا بسترة الإمام له حكما ، ويحتمل اختصاص ذلك بعدم الإبطال لما فيه من المشقة على الجميع ، قال القاضي عياض : اختلفوا هل سترة الإمام سترة لمن خلفه أم هي سترة له خاصة : ، وهو سترة لمن خلفه مع الاتفاق على أنهم يصلون إلى سترة ، ولمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا : إنما الإمام جنة أي : يمنع من نقص صلاة المأموم ، لا أنه يجوز المرور قدام المأموم .




                                                                                                                          الخدمات العلمية