الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        [ ص: 370 - 371 ] كتاب الحجر

                                                                                                        قال : ( الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة : الصغر والرق والجنون ، فلا يجوز تصرف الصغير إلا بإذن وليه ، ولا تصرف العبد إلا بإذن سيده ، ولا تصرف المجنون المغلوب بحال ) أما الصغير فلنقصان عقله ، غير أن إذن الولي آية أهليته والرق لرعاية حق المولى كي لا يتعطل منافع عبده ولا يملك رقبته بتعلق الدين به غير أن المولى بالإذن رضي بفوات حقه ، والجنون لا تجامعه الأهلية فلا يجوز تصرفه بحال أما العبد فأهل في نفسه والصبي ترتقب أهليته فلهذا وقع الفرق .

                                                                                                        قال : ( ومن باع من هؤلاء شيئا وهو يعقل البيع ، ويقصده فالولي بالخيار إن شاء أجازه إذا كان فيه مصلحة وإن شاء فسخه ) لأن التوقف في العبد لحق المولى فيتخير فيه وفي الصبي والمجنون نظرا لهما فيتحرى مصلحتهما فيه ، ولا بد أن يعقلا البيع ليوجد ركن العقد فينعقد موقوفا على الإجازة والمجنون قد يعقل البيع ويقصده ، وإن كان لا يرجح المصلحة على المفسدة وهو المعتوه الذي يصلح وكيلا عن غيره كما بينا في الوكالة ، فإن قيل : التوقف عندكم في البيع أما الشراء : فالأصل فيه النفاذ على المباشر . قلنا : نعم ، إذا وجدنا نفاذا عليه كما في شراء الفضولي وهاهنا لم نجد نفاذا لعدم الأهلية أو لضرر المولى فوقفناه .

                                                                                                        قال : ( وهذه المعاني الثلاثة توجب الحجر في الأقوال دون الأفعال ) لأنه لا مرد لها لوجودها حسا ومشاهدة بخلاف الأقوال ، لأن اعتبارها موجودة بالشرع ، والقصد من شرطه ( إلا إذا كان فعلا يتعلق به حكم يندرئ بالشبهات [ ص: 372 ] كالحدود والقصاص ) فيجعل عدم القصد في ذلك شبهة في حق الصبي والمجنون .

                                                                                                        قال ( والصبي والمجنون لا تصح عقدهما ولا إقرارهما ) لما بينا ( ولا يقع طلاقهما ولا عتاقهما ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { كل طلاق واقع إلا طلاق الصبي والمعتوه }والإعتاق يتمحض مضرة ولا وقوف للصبي على المصلحة في الطلاق بحال لعدم الشهوة ولا وقوف للولي على عدم التوافق على اعتبار بلوغه حد الشهوة فلهذا لا يتوقفان على إجازته ولا ينفذان بمباشرته بخلاف سائر العقود .

                                                                                                        [ ص: 371 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 371 ] كتاب الحجر

                                                                                                        الحديث الأول : { قال عليه السلام : كل طلاق واقع إلا طلاق الصبي والمعتوه }; قلت : غريب بهذا اللفظ ; وأخرج الترمذي في " الطلاق " عن عطاء بن عجلان عن [ ص: 372 ] عكرمة بن خالد المخزومي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل طلاق جائز ، إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله }انتهى . وقال : حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن عجلان ، وهو ضعيف ، ذاهب الحديث انتهى .

                                                                                                        وتقدم الحديث في " الطلاق " . حديث :

                                                                                                        { رفع القلم عن ثلاث }روي من حديث عائشة ; ومن حديث علي ; ومن حديث أبي قتادة ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث ثوبان ، وشداد بن أوس . فحديث عائشة :

                                                                                                        أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن حماد بن سلمة عن حماد وهو ابن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المبتلى حتى يبرأ ، وعن الصبي حتى يكبر }انتهى . أخرجه أبو داود في " الحدود " ، والنسائي ، وابن ماجه في " الطلاق " . ورواه الحاكم في " كتاب المستدرك في أواخر الصلاة " ، وقال : حديث [ ص: 373 ] صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        ولم يعله الشيخ في " الإمام " بشيء ، وإنما قال : هو أقوى إسنادا من حديث علي ، وقال صاحب " التنقيح " : حماد بن أبي سليمان وثقه النسائي ، والعجلي ، وابن معين ، وغيرهم ، وتكلم فيه ابن سعد ، والأعمش ; وروى له مسلم مقرونا بغيره . وحديث علي له طرق :

                                                                                                        فأمثلها ما رواه أبو داود من طريق ابن وهب عن جرير بن حازم عن سليمان بن مهران وهو الأعمش عن أبي ظبيان حصين بن جندب عن ابن عباس ، قال ، { : مر علي بن أبي طالب بمجنونة بني فلان ، وقد زنت ، فأمر عمر بن الخطاب برجمها ، فردها علي ، وقال لعمر : يا أمير المؤمنين أترجم هذه ؟ قال : نعم ، قال : أوما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رفع القلم عن ثلاث : عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ؟ قال : صدقت ، فخلى عنها ، }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك في الصلاة وفي البيوع " ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ; وقال الدارقطني في " كتاب العلل " : هذا حديث يرويه أبو ظبيان ، واختلف عنه ; فرواه سليمان الأعمش عنه ، واختلف عليه ، فرواه جرير بن حازم عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس ، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن علي ، وعمر ، وتفرد به ابن وهب عن جرير بن حازم ، وخالفه ابن فضيل ، ووكيع ، فرواه عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن علي ، وعمر موقوفا ، ورواه عمار بن رزيق عن الأعمش عن أبي ظبيان موقوفا ، ولم يذكر ابن عباس ; وكذلك رواه سعيد بن عبيدة عن أبي ظبيان موقوفا ، ولم يذكر ابن عباس ; ورواه أبو حصين عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن علي ، وعمر موقوفا ، واختلف عنه ، فقيل : عن أبي ظبيان عن علي موقوفا ، قاله أبو بكر بن عياش ، وشريك عن أبي حصين ، ورواه عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي ، [ ص: 374 ] وعمر مرفوعا ، حدث به عنه حماد بن سلمة ، وأبو الأحوص ، وجرير بن عبد الحميد ، وعبد العزيز بن عبد الصمد ، وغيرهم ، وقول وكيع ، وابن فضيل أشبه بالصواب ، انتهى .

                                                                                                        طريق آخر :

                                                                                                        أخرجه أبو داود عن أبي الضحى ، وهو مسلم بن صبيح بضم الصاد ، وفتح الباء الموحدة عن علي ، قال { : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل }انتهى . وهو منقطع ، قال الشيخ تقي الدين تابعا لشيخه زكي الدين المنذري : أبو الضحى لم يدرك علي بن أبي طالب انتهى .

                                                                                                        طريق آخر :

                                                                                                        أخرجه أبو داود عن أبي الأحوص ، وجرير كلاهما عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان ، قال : { أتي عمر بامرأة قد فجرت ، فأمر برجمها ، فأتى علي ، فأخذها ، فخلى سبيلها ، فأخبر عمر ، فقال : ادعوا لي عليا ، فجاء ، فقال : يا أمير المؤمنين لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المعتوه حتى يبرأ ، وأن هذه معتوهة بني فلان ، لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها ، قال : فقال عمر : لا أدري ، فقال علي : وأنا أدري } ، وأخرجه النسائي في " الرجم " عن عبد العزيز بن عبد الصمد عن عطاء بن السائب به ; وأخرجه أحمد في " مسنده " عن حماد بن سلمة عن عطاء به ، وقال في آخره : فلم يرجمها ، قال الشيخ تقي الدين : وهذه الرواية يتوقف اتصالها على لقاء أبي ظبيان لعلي ، وعمر ، لأنه حكى واقعة ، ولم يذكر أنه شاهدها ، فهي محتملة الانقطاع ، ولكن الدارقطني أثبت لقاءه لهما ، فسئل في " علله " هل لقي أبو ظبيان عليا ، وعمر ؟ فقال : نعم ، قال : وعلى تقدير الاتصال ، فعطاء بن السائب اختلط بآخره ، قال الإمام أحمد ، وابن معين : من سمع منه حدثنا حديثا ، فليس بشيء ، ومن سمع منه قديما قبل ، فلينظر في هؤلاء المذكورين ، وحال سماعهم منه ، وأيضا فهو معلول بالوقف ، كما رواه النسائي من حديث أبي حصين بفتح الحاء ، وكسر الصاد عن أبي ظبيان عن علي ، [ ص: 375 ] قوله : قال النسائي : وأبو حصين أثبت من عطاء بن السائب انتهى .

                                                                                                        طريق آخر :

                                                                                                        أخرجه ابن ماجه عن القاسم بن يزيد عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يرفع القلم عن الصغير ، والمجنون ، والنائم }انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ تقي الدين . تابعا لشيخه المنذري : القاسم هذا لم يدرك عليا . وكذلك في " أطراف ابن عساكر " . طريق آخر :

                                                                                                        أخرجه الترمذي في " الحدود " والنسائي في " الرجم " عن همام عن قتادة عن الحسن عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يشب ، وعن المعتوه حتى يعقل }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وقد روي عن علي من غير وجه ، ولا نعرف للحسن سماعا من علي ، وفي الباب عن عائشة انتهى .

                                                                                                        وأخرجه النسائي عن يزيد بن زريع عن يونس عن الحسن عن علي .

                                                                                                        قوله : ثم قال : وحديث يونس أشبه بالصواب من حديث همام انتهى . قال ابن عساكر في " أطرافه " : قلت : قد رواه سعيد عن قتادة عن الحسن مرفوعا ، ورواه هشيم عن يونس عن الحسن ، فرفعه أيضا انتهى .

                                                                                                        قلت : الروايتان في مسند أحمد عن سعيد عن قتادة عن الحسن أن { عمر أراد أن يرجم مجنونة ، فقال له علي : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الطفل حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يبرأ ، أو يعقل ، فدرأ عنها عمر ، }انتهى .

                                                                                                        وعن هشيم عن يونس " عن الحسن عن علي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصغير حتى يبلغ ، وعن المصاب حتى يكشف عنه }انتهى . وأما حديث أبي قتادة :

                                                                                                        فأخرجه الحاكم في " المستدرك في الحدود " عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الله بن أبي رباح عن أبي قتادة . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المعتوه حتى يصح ، وعن الصبي [ ص: 376 ] حتى يحتلم }انتهى .

                                                                                                        وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . وأما حديث أبي هريرة :

                                                                                                        فرواه البزار في " مسنده " حدثنا حمدان بن عمر ، ثنا سعد بن عبد الحميد ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رفع القلم عن ثلاث : عن الصغير حتى يكبر ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق }انتهى . وسكت عنه .

                                                                                                        وأما حديث ثوبان ، وشداد :

                                                                                                        فرواه الطبراني في " كتاب مسند الشاميين " حدثنا عبد الرحمن بن مسلم الرازي ثنا عبد المؤمن بن علي الزعفراني ثنا عبد السلام بن حرب عن برد بن سنان عن مكحول عن أبي إدريس الخولاني ، قال : أخبرني غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثوبان ، وشداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { رفع القلم عن ثلاث } ، إلى آخر لفظ السنن في حديث عائشة ، ولم يذكر الشيخ في " الإمام " إلا حديث علي ، وعائشة




                                                                                                        الخدمات العلمية